جِيَادٍ, وَزْنِ سَبْعَةٍ, مُنَجَّمَةٍ عَلَيْكَ, سِتُّ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ, أَوَّلُهَا مُسْتَهَلَّ شَهْرِ كَذَا, مِنْ سَنَةِ كَذَا, عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إِلَيَّ هَذَا الْمَالَ, الْمُسَمَّى مَبْلَغُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي نُجُومِهَا, فَأَنْتَ حُرٌّ بِهَا, لَكَ مَا لِلأَحْرَارِ, وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ, فَإِنْ أَخْلَلْتَ شَيْئًا مِنْهُ عَنْ مَحِلِّهِ, بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ, وَكُنْتَ رَقِيقًا, لَا كِتَابَةَ لَكَ, وَقَدْ قَبِلْتُ مُكَاتَبَتَكَ عَلَيْهِ, عَلَى الشُّرُوطِ الْمَوْصُوفَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ, قَبْلَ تَصَادُرِنَا عَنْ مَنْطِقِنَا, وَافْتِرَاقِنَا عَنْ مَجْلِسِنَا, الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا ذَلِكَ فِيهِ, أَقَرَّ فُلَانٌ, وَفُلَانٌ).
شرحِ كتاب عقد الكتابة المذكور
(قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣])
قال الحافظ ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى-: هذا أمر من اللَّه تعالى للسادة إذا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يُكاتبوهم بشرط أن يكون للعبد حِيلةٌ، وكسبٌ يؤدّي إلى سيّده المال الذي شارطه على أدائه.
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد، واستحباب، لا أمر تحتّم وإيجاب، بل السيّد مخيّرٌ إذا طلب منه عبده الكتابة، إن شاء كاتبه، وإن شاء لم يكاتبه. رُوي ذلك عن الشعبيّ، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصريّ، ومقاتل بن حيّان.
وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيّد إذا طلب منه عبده ذلك أن يجيبه إلى ما طلب، أخذا بظاهر هذا الأمر. وقال البخاريّ: وقال روح، عن ابن جُريج: قلت لعطاء: أواجبٌ عليّ إذا علمت له مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا. وقال عمرو ابن دينار: قلت لعطاء: أتأثُره عن أحد؟ قال: لا، ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسًا - رضي اللَّه عنه - المكاتبة، وكان كثير المال، فأبى، فانطلق إلى عمر - رضي اللَّه عنه -، فقال: كاتبه، فأبى، فضربه بالدِّرَّة، ويتلو عمر - رضي اللَّه عنه -: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، فكاتبه، هكذا ذكره البخاريّ معلّقًا، ورواه عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أواجب عليّ إذا علمت له مالًا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا. وأخرج ابن جرير بسند صحيح، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن سيرين أراد أن يكاتبه، فتلكّأ عليه، فقال له عمر لتكاتبنّه.
قال. وهذا هو القول القديم للشافعيّ، وذهب في الجديد إلى أنه لا يجب. وكذا قال مالك، والثوريّ، وأبو حنيفة، وغيرهم. واختار ابن جرير القول بالوجوب؛ لظاهر الآية. انتهى كلام ابن كثير باختصار (١).
(١) "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٩٨.