قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن القول بالوجوب هو الأرجح، كما اختاره ابن جرير -رحمه اللَّه تعالى-؛ لأن الأمر في الآية للوجوب؛ إذ لا صارف لها عنه إلى الاستحباب، لا من نصّ، ولا من إجماع، فهي على الوجوب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
وقوله تعالى:{إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} اختلفوا في المراد بالخير، فقال بعضهم: أمانةً. وقال بعضهم: صدقًا. وقال بعضهم: مالاً. وقال بعضهم: حِيلةً وكسبًا. وروى أبو داود في "المراسيل"، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قال: "إن علمتم فيهم حرفةً، ولا تُرسلوهم كلًّا على الناس"(١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: التفسير الأخير هو الأقرب عندي، وإن كان الحديث مرسلاً. واللَّه تعالى أعلم.
(هَذَا كِتَابٌ، كَتَبَهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فِي صِحَّةٍ مِنْهُ، وَجَوَازِ أَمْرٍ، لِفَتَاهُ) الفتى: العبد، وجمعه في القلّة فِتْيةٌ، وفي الكثرة فِتيانٌ، والأمة فتاةٌ، وجمعها فتياتٌ، والأصل فيه أن يقال للشاب الْحَدَثِ فَتى، ثم استُعير للعبد، وإن كان شيخًا، مجازًا تسميةً باسم ما كان عليه. قاله الفيّوميّ (النُّوبِيِّ) بضمّ النون: نسبة إلى بلاد واسعة للسودان، بجنوب الصّعيد، منها بلال الحبشيّ - رضي اللَّه عنه -، قاله في "القاموس. وأراد به هنا توضيح نسبة العبد المكاتب، لا لزوم كونه نوبيًا (الَّذِي يُسَمَّى فُلَانًا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي مِلْكِهِ وَيَدِهِ، إِنِّي كَاتَبْتُكَ عَلَى ثَلَاثَةِ آلافِ دِرْهَم، وُضْح جِيَادٍ، وَزْنِ سَبْعَةٍ) أي كلّ عشرة منها وزن سبعة مثاقيل (مُنَجَّمَةً عَلَيْكَ) أي مقَطّعة نَجْمًا نجمًا، قال في "اللسان": قال في "التهذيب": والنجوم وظائف الأشياء، وكلُّ وظيفة نَجْمٌ، والنجم الوقت المضروب، وبه سُمّي المنجّم، ونَجّمتُ المالَ: إذا أدّيته نُجُومًا، قال زُهير في ديات جُعلت نُجُومًا على العاقلة [من الطويل]:
قال: تنجيمُ الدين هو أن يُقَدْر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة، مُشاهرةٌ، أو مساناةٌ، ومنه تنجيم المكاتب، ونُجوم الكتابة، وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر، ومَساقطها مواقيتَ حلول ديونها وغيرها، فتقول: إذا طلع النجم حلّ عليك مالي، أي الثريّا، وكذلك باقي المنازل، فلما جاء الإسلام جعل اللَّه تعالى الأهلّة مواقيت لما يحتاجون إليه من معرفة أوقات الحجّ، والصوم، ومَحِلّ الديون، وسَمَّوْها