(عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ) الخولانيّ -رحمه اللَّه تعالى-، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان - رضي اللَّه تعالى عنهما - (يَخْطُبُ) جملة حالية في محلّ نصب (وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي كان معاوية - رضي اللَّه عنه - ممن لا يُكثر الرواية عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ إما لكونه مشغولا بأمر الخلافة، أو لغير ذلك (قَالَ: سَمِعتُهُ يَخْطُبُ) فاعل "قال" ضمير معاوية - رضي اللَّه عنه -، فالجملة مؤكّدة لما قبلها (يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يَقُولُ:"كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلُ) أي إلا ذنب الرجل، فالكلام على حذف مضاف (يَقْتُلُ الْمُؤمِنَ، مُتَعَمِّدًا، أَوِ الرَّجُلُ) أي أو إلا ذنب الرجل (يَمُوتُ كَافِرًا) هذا الحديث بظاهره يعارض قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية. فلا بدّ من تأويله، فقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: وكأن المراد كلّ ذنب تُرجى مغفرته ابتداءً، إلا قتل المؤمن، فإنه لا يُغفر بلا سبق عقوبة, وإلا الكفر، فإنه لا يُغفر أصلاً، ولو حُمل على القتل مستحلًّا لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر، ثم لا بُد من حمله على ما إذا لم يتب، وإلا فالتائب من الذنب، كمن لا ذنب له، كيف، وقد يدخل القاتل والمقتول الجنّة معًا، كما إذا قتله، وهو كافر، ثم آمن، وقُتل. انتهى.
وحمل المناويّ تبعًا لغيره الحديث على ما إذا استحلّ، وإلا فهو تهويلٌ وتغليظ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله السنديّ أقرب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث معاوية - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، أخرجه هنا- ١/ ٣٩٨٥ - وفي "الكبرى" ١/ ٣٤٤٦. وأخرجه (أحمد) في "مسند الشاميين" ١٦٤٦٤. (الحاكم) في "المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبيّ.
[تنبيه]: أخرج أبو داود -رحمه اللَّه تعالى- هذا الحديث في "سننه" من حديث أبي الدرداء - رضي اللَّه عنه -، فقال:
حدثنا مؤمل بن الفضل الحرّاني، حدثنا محمد بن شعيب، عن خالد بن دِهْقان، قال: كنا في غزوة القُسطنطينية، بِذُلُقْيَةَ، فأقبل رجل من أهل فلسطين، من أشرافهم وخيارهم، يَعرِفون ذلك له، يقال له: هانئ بن كُلثوم بن شريك الكناني، فسلم