للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَمِثْله لَهُمْ أَوْلَى لِمَا خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ الأَثْقَال التِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ. انتهى (١).

وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في شرح حديث قصَّة الرجل الإسرائيليّ المذكور: ما نصُّهُ: هَذَا مَذْهَب أَهْل العلم، وَإجْماعهمْ عَلَى صِحَّة تَوبَة الْقَاتِل عَمْدًا، وَلَمْ يُخَالِف أَحَد مِنْهُمْ إِلا ابْنِ عَبَّاس. وَأَمَّا مَا نُقِلَ , عَنْ بَعْض السَّلَف مِنْ خِلَاف هَذَا، فَمُرَاد قَائِله الزَّجْر , عَنْ سَبَب التَّوْبَة، لَا أَنَّهُ يَعْتَقِد بُطْلَان تَوْبَته. وَهَذَا الْحَدِيث ظَاهِر فِيهِ، وَهُوَ إِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلنَا، وَفِي الِاحتِجَاج بِهِ خِلَاف فَلَيْسَ مَوْضِع الخِلَاف، وَإِنَّمَا مَوْضِعه إِذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعنَا بِمُوَافَقَتِهِ وَتَقرِيره، فَإن وَرَدَ كَانَ شَرْعًا لَنَا بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا قَدْ وَرَدَ شَرْعُنَا بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إِلَى قَوْله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} الآية [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية [النساء: ٩٣] فَالصَّوَاب فِي مَعْنَاهَا: أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّم، وَقَد يُجَازَى بِهِ، وَقَد يُجَازَى بِغَيْرِهِ وَقَد لَا يُجَازَى بَل يُعْفَى عَنْهُ، فَإِنْ قتَلَ عَمْدًا مُسْتَحِلًا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأوِيل، فَهُوَ كَافِر مُرْتَدّ، يُخَلَّد بِهِ فِي جَهَنَّم بِالإجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْر مُسْتَحِلّ بَل مُعْتَقِدًا تَحْرِيمه فَهُوَ فَاسِق عَاصٍ مُرْتَكِب كَبِيرَة، جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا، لَكِنْ بِفَضْلِ اللَّه تَعَالَى ثُمَّ أَخبَرَ أَنهُ لَا يُخَلَّدْ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا فِيهَا، فَلَا يَخْلُد هَذَا، وَلَكِنْ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ، فَلَا يَدْخُل النَّار أَصْلًا، وَقَد لَا يُعْفَى عَنْهُ، بَل يُعَذَّب كَسَائِرِ العُصَاة المُوَحِّدِينَ، ثُمَّ يَخْرُج مَعَهُمْ إِلَى الْجَنَّة، وَلَا يُخَلَّد فِي النَّار، فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الآيَة، وَلَا يَلْزَم من كَوْنه يَسْتَحِقّ أَنْ يُجَازَى بِعُقُوبَةٍ مَخْصُوصَة أَنْ يَتَحَتَّم ذَلِكَ الجَزَاء، وَلَيْسَ فِي الآيَة إِخْبَار بأَنَّهُ يُخَلَّد فِي جَهَنَّم، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا جَزَاؤُهُ أَيْ: يَسْتَحِقّ أنْ يُجَازَى بِذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّ المُرَاد مَنْ قتَلَ مُسْتَحِلًا، قيلَ: وَرَدَتْ الآيَة فِي رَجُل بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالخُلُودِ طُول المُدَّة لَا الدَّوَام، وَقيل: مَعْنَاهَا هَذَا جَزَاؤُهُ إِنْ جَازَاهُ، وَهَذِهِ الأقوَال كُلّهَا ضَعِيفَة أَوْ فَاسِدَة لِمُخَالَفَتِهَا حَقِيقَة لَفْظ الآيَة، وَأَمَّا هَذَا الْقَوْل فَهُوَ شَائِع عَلَى أَلسِنَة كَثِير مِنْ الناس، وَهُوَ فَاسِد لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا عُفِيَ عَنْهُ خَرَجَ , عَنْ كَونَها كَانَتْ جَزَاء، وَهِيَ جَزَاء لَهُ، لَكِنْ تَرَكَ اللَّه مُجَازَاته عَفوا عَنْهُ وَكَرَمًا، فَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ. وَاللَّه أَعْلَم. انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢). وسيأتي بيان الخلاف مفصّلًا في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "فتح" ٩/ ٤٤٢ - ٤٤٣. "كتاب التفسير" رقم الحديث ٤٧٦٦.
(٢) "شرح صحيح مسلم" ١٧/ ٨٥ - ٨٦. "كتاب التوبة".