وقال الحافظ في "كتاب الحدود" من "الفتح" بعد أن أورد الأحاديث الواردة في الكبائر: ما نصّه: وإذا تقرّر ذلك عُرف فساد من عرّف الكبيرة بأنها ما وجب فيها الحدّ؛ لأن أكثر المذكورات لا يجب فيها الحدّ. قال الرافعيّ في "الشرح الكبير": الكبيرة هي الموجبة للحدّ. وقيل: ما يُلحق الوعيد بصاحبه بنصّ كتاب، أو سنّة. وهذا أكثر ما يوجد للأصحاب، وهم إلى ترجيح الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. وقد أقرّه في "الروضة"، وهو يُشعر بأنه لا يوجد عن أحد من الشافعيّة الجمع بين التعريفين، وليس كذلك، فقد روى الماورديّ في "الحاوي": هي ما يوجب الحدّ، أو توجه إليها الوعيد، و"أو" في كلامه للتنويع، لا للشكّ، وكيف يقول عالم: إن الكبيرة ما ورد فيه الحدّ مع التصريح في "الصحيحين" بالعقوق، واليمين الغموس، وشهادة الزور، وغير ذلك، والأصل فيما ذكره الرافعيّ قول البغويّ في "التهذيب": من ارتكب كبيرة، من زنا، أو لواط، أو شرب خمر، أو غصب، أو سرقة، أو قتل بغير حقّ، تُردّ شهادته، وإن فعله مرّةً واحدةً، ثم قال: فكلّ ما يوجب الحدّ من المعاصي، فهو كبيرةٌ. وقيل: ما يلحق الوعيد بصاحبه بنصّ كتاب، أو سنّة انتهى. والكلام الأول لا يقتضي الحصر، والثاني هو المعتمد.
وقال ابن عبد السلام: لم أقف على ضابط الكبيرة -يعني يسلم من الاعتراض- قال: والأولى ضبطها بما يُشعر بتهاون مرتكبها إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها، قال: وضبطها بعضهم بكلّ ذنب قُرن به وعيدٌ، أو لعنٌ.
قال الحافظ: وهذا أشمل من غيره، ولا يَرِد عليه إخلاله بما فيه حدّ؛ لأن كلّ ما ثبت فيه الحدّ، لا يخلو من ورود الوعيد على فعله، ويدخل فيه ترك الواجبات الفوريّة منها مطلقًا، والمتراخية إذا تضيّق.
وقال ابن الصلاح: لها أمارات: [منها]: إيجاب الحدّ. [ومنها]: الإيعاد عليها بالعذاب بالنار، ونحوها في الكتاب أو السنّة. [ومنها]: وصف صاحبها بالفسق. [ومنها]: اللعن. قال الحافظ: وهذا أوسع مما قبله.
وقد أخرج إسماعيل القاضي بسند فيه ابن لَهِيعة، عن أبي سعيد - رضي اللَّه تعالى عنه - مرفوعًا:"الكبائر كلّ ذنب أدخل صاحبه النار"، وبسند صحيح عن الحسن البصريّ، قال:"كلّ ذنب نسبه اللَّه تعالى إلى النار، فهو كبيرة".
ومن أحسن التعاريف قول القرطبيّ في "المفهم": كلّ ذنب أُطلق عليه بنصّ كتاب، أو سنة، أو إجماع أنه كبيرة، أو عظيم، أو أخبر فيه بشدّة العذاب، أو عُلّق عليه الحدّ، أو شُدّد النكير عليه، فهو كبيرة".