رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "ليس فيها كفارة، يمين صبر، يقتطع بها مالا بغير حقّ".
قال الحافظ: وظاهر سنده الصحة، لكنه معلول؛ لأن فيه عنعنة بقية، فقد أخرجه أحمد من هذا الوجه، فقال في هذا السند عن المتوكل، أو أبي المتوكل، فظهر أنه ليس هو الناجي الثقة، بل آخر مجهول، وأيضا فالمتن مختصر، ولفظه عند أحمد: "من لقي اللَّه لا يشرك به شيئًا دخل الجنّة … " الحديث، وفيه: "وخمس ليس لها كفارة: الشرك باللَّه … " وذكر في آخرها: "ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حقّ".
ونقل محمد بن نصر في "اختلاف العلماء"، ثم ابن المنذر، ثم ابن عبد البرّ اتفاق الصحابة على أن لا كفارة في اليمين الغموس. وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة، وإسماعيل القاضي في "الأحكام" عن ابن مسعود: "كنا نَعُدّ الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس، أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا ليقتطعه"، قال: ولا مخالف له من الصحابة، واحتجوا بأنها أعظم من أن تكفر.
وأجاب من قال بالكفارة، كالحكم، وعطاء، والأوزاعيّ، ومعمر، والشافعيّ، بأنه أحوج للكفارة من غيره، وبأن الكفارة لا تزيده إلا خيرا، والذي يجب عليه الرجوع إلى الحقّ، ورد المظلمة، فإن لم يفعل، وكفر فالكفارة لا ترفع عنه حكم التعدي، بل تنفعه في الجملة. وقد طعن ابن حزم في صحّة الأثر عن ابن مسعود، واحتجّ بإيجاب الكفارة فيمن تعمد الجماع في صوم رمضان، وفيمن أفسد حجه، قال: ولعلهما أعظم إثما من بعض من حلف اليمين الغموس، ثم قال: وقد أوجب المالكيّة الكفارة على من حلف أن لا يزني، ثم زنى ونحو ذلك.
ومن حجة الشافعيّ قوله في الحديث الماضي في "كتاب الأيمان والنذور": "فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه"، فأمر من تعمد الحنث أن يكفر، فيؤخذ منه مشروعيّة الكفارة لمن حلف حانثا. قاله في "الفتح" ١٣/ ٤١٠ - ٤١١.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الجمهور من عدم إيجاب الكفّارة في اليمين الغَمُوس أرجح؛ لعدم نصّ، أو إجماع على ذلك، ولاسيّما والصحابة متّفقون على عدم الوجوب، كما تقدّم في قول ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٤٠١٣ - (أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ, عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ, عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ, أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَبُوهُ, وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا الْكَبَائِرُ؟ , قَالَ: «هُنَّ سَبْعٌ, أَعْظَمُهُنَّ إِشْرَاكٌ بِاللَّهِ, وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَفِرَارٌ