وقوله: و"اليمين الغَمُوس" -بفتح المعجمة، وضم الميم الخفيفة، وآخره مهملة- قيل: سمّيت بذلك لأنها تَغمِسُ صاحبها في الإثم، ثمّ في النار، فهي فَعُول بمعنى فاعلٍ. وقيل: الأصل في ذلك أنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعاهدوا أحضروا جَفْنَة، فجعلوا فيها طيبًا، أو دمًا، أو رَمَادًا، ثم يحلفون عند ما يُدخلون أيديهم فيها؛ ليتمّ لهم بذلك المراد من تأكيد ما أرادوا، فسُمّيت تلك اليمين إذا غدر صاحبها غَمُوسًا؛ لكونه بالغ في نقض العهد، وكأنها على هذا مأخوذةٌ من اليد المغموسة، فيكون فَعُول بمعنى مفعولة. وقال ابن التين: اليمين الغَمُوسُ التي ينغمس صاحبها في الإثم، ولذلك قال مالكٌ: لا كفّارة فيها، واحتجّ أيضًا بقوله تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}[المائدة: ٨٩]، وهذه يمينٌ غير منعقِدَة؛ لأن المنعقد ما يُمكن حَلُّهُ، ولا يتأتّى في اليمين الغموس الْبَرُّ أصلًا. قاله في "الفتح"(١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان،
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا أخرجه البخاريّ.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٣/ ٤٠١٢ و"القسامة" ٤٨/ ٤٨٦٩ - وفي "الكبرى" ٣/ ٣٤٧٤ وأخرجه (خ) في "الأيمان والنذور" ٦٦٧٥ و"الديات" ٦٨٧٠ و"استتابة المرتدّين" ٦٩٢٠ (ت) و"التفسير" ٣٠٢١ (أحمد) في "مسند المكثرين" ٦٨٤٥ و ٦٩٦٥ (الدارميّ) في "الديات" ٢٣٦٠. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): استدل بهذا الحديث الجمهور على أن اليمين الغموس لا كفارة فيها؛ للاتفاق على أن الشرك، والعقوق، والقتل، لا كفارة فيه، وإنما كفارتها التوبة منها، والتمكين من القصاص في القتل العمد، فكذلك اليمين الغموس حكمها حكم ما ذكرت معه.
وأجيب بأن الاستدلال بذلك ضعيف؛ لأن الجمع بين مختلف الأحكام جائز، كقوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١]، والإيتاء واجب، والأكل غير واجب. وقد أخرج ابن الجوزي في "التحقيق" من طريق ابن شاهين بسنده إلى خالد بن معدان، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة، أنه سمع