الحصر؛ لأَنَّهُ يلزم أنْ ينفى مَنْ ذُكِرَ، ودمه حلال، فلا يَصِحّ الحصر، وكلام الشارع مُنَزَّه عن ذلك، فدلَّ على أَنَّ وَصْف الْمُفَارَقَة للجماعة، يَعُمّ جميع هؤلاء. قال: وَتَحقيقه أَنَّ كلَّ من فارق الْجماعة، ترك دينه، غير أَنَّ المرتدّ تركَ كلّه، وَالْمُفَارِق بغير رِدَّة ترك بَعْضه. انتهى. قال الحافظ: وفيه مناقشة؛ لأَنَّ أَصل الخصلة الثالثة الارتدَاد، فلابدّ من وجوده، والْمُفارِق بغير ردَّة، لا يُسَمَّى مرتَدًّا، فيلزم الخلف في الحصر. وَالتَّحقيق في جواب ذلك، أَنَّ الحصر فيمن يجب قَتْله عينًا. وأَمَّا من ذكرهم، فَإِنَّ قتل الواحد منهم، إنما يُباحُ إِذا وقع حال المحاربة، والمقاتلة، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ صَبْرًا اتِّفَاقًا، فِي غَيْر الْمُحَارِبِينَ، وَعَلَى الرَّاجِح فِي الْمُحَارِبِينَ أَيْضًا، لَكِنْ يَرِد عَلَى ذَلِكَ قَتْل تَارِك الصَّلاة، وسيأتي مزيد بسط للبحث في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى.
وقوله (قَالَ: الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنِي عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ, بِمِثْلِهِ) يعني أن الأعمش حدث بحديث ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا إبراهيمَ النخعيَّ، فحدّثه إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -.
والغرض من هذا أن الأعمش وإبراهيم استفاد كلٍّ واحد منهما من صاحبه ما ليس عنده، فالأعمش كان عنده حديث ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -، وليس عنده حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وإبراهيم بالعكس، فاستفاد كلٍّ منهما من الآخر ما ليس عنده. واللَّه تعالى أعلم.