للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيحٍ الأَشْجَعِيّ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ) جملة حاليّة (فَقَالَ: "إِنَّهُ) الضمير للشأن: أي إن الأمر والشأن (سَيَكُونُ) وفي رواية مسلم: "ستكون" بالتاء (بَعْدِي) أي بعد وفاتي (هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ) وكرّره في الرواية التالية ثلاث مرّات: أي شرورٌ، وإفسادات متتابعة، خارجة، والمراد بها الفتن المتوالية، والمعنى أنه سيظهر في الأرض أنواع الفساد، والفتن؛ لطلب الإمارة من كلّ جهة، وإنما الإمام من انعقدت له البيعة أوّلًا. أفاده القاري (١).

وقال القرطبيّ: الهنات: جمع هَنَة، وهي كناية عن نكرةٍ أيَّ شيء كان، ويعني به أنه سيكون أمور منكرة، وفتنٌ عظيمةٌ، كما قد ظهر، ووُجِد. انتهى (٢). وقال النوويّ: الهنات جمع هَنَة، وتُطلق على كلّ شيء، والمراد بها هنا الفتن، والأمور الحادثة. انتهى (٣) (فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ) أي خرج منهم، وبغى عليهم. وقال السنديّ: أي خالف ما اتفق عليه المسلمون، تفريقًا بين المسلمين، وإيقاعًا للخلاف بينهم. انتهى (أَوْ) للشكّ من الراوي. قاله السنديّ.

قال الجامع: ويحتمل أن تكون للتنويع، وأن الأول هو الذي وقع منه الشقاق بالفعل، والثاني هو الذي أراد ذلك، وظهرت منه أماراته، فيؤخذ على يديه قبل أن يحدُث منه شيء. واللَّه تعالى أعلم (يُرِيدُ يُفَرِّقُ) بتشديد الراء بالرفع، وتقدير "أن" المصدريّة، مفعول "يُريد": أي يريد أن يفرّق (أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى اللَّه عليه وسلم -، كَائِنًا مَنْ كَانَ) أي شخص كان، شريفًا، أو وضيعًا، عالمًا، أو جاهلًا، أو غير ذلك.

وقال القرطبيّ: أي لا يُحترم لشرفه، ونسبه، ولا يُهاب لعشيرته، ونَشَبه (٤)، بل يُبادر بقتله قبل شرارة شرّه، واستحكام فساده، وعدوى عُرِّه (٥). انتهى (٦).

وقال القاري: "كائنًا من كان" أي سواء كان من أقاربي، أو من غيرهم، بشرط أن يكون الأول أهلًا للإمامة، وهي الخلافة. وفي نسخة: "كائنًا ما كان"، ومشى عليه


(١) "المرقاة" ٧/ ٢٥٨ - ٢٥٩.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٢ - ٦٣.
(٣) "شرح مسلم" ١٢/ ٤٤٤.
(٤) "النَّشَب" -بفتحتين-: قيل: العقار، وقيل: المال والعقار. انتهى "المصباح". والمراد أنه لا يهاب لكثرة ماله.
(٥) "العُرُّ": الجَرَبُ.
(٦) "المفهم" ٤/ ٦٣.