للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العرنيين، وفي آخره: قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة: ٣٣]. ووقع مثله في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، وممن قال ذلك الحسن، وعطاء، والضحاك، والزهري. قال: وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين، يسعى في الأرض بالفساد، ويقطع الطريق، وهو قول مالك، والشافعيّ، والكوفيين، ثم قال: وليس هذا منافيا للقول الأول؛ لأنها وإن نزلت في العرنيين بأعيانهم، لكن لفظها عام يدخل في معناه كلّ من فعل مثل فعلهم، من المحاربة والفساد.

قال الحافظ: بل هما متغايران، والمرجع إلى تفسير المراد بالمحاربة، فمن حملها على الكفر خص الآية بأهل الكفر، ومن حملها على المعصية عمم، ثم نقل ابن بطال عن إسماعيل القاضي، أن ظاهر القرآن، وما مضى عليه عمل المسلمين، يدل على أن الحدود المذكورة في هذه الآية، نزلت في المسلمين، وأما الكفار فقد نزل فيهم: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} إلى آخر الآية [سورة محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -: ٤]، فكان حكمهم خارجا عن ذلك. وقال تعالى في آية المحاربة: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الآية [المائدة: ٣٤]، وهي دالة على أن من تاب من المحاربين يسقط عنه الطلب بما ذكر بما جناه فيها، ولو كانت الآية في الكافر لنفعته المحاربة، ولكن إذا أحدث الحرابة مع كفره اكتفينا بما ذكر في الآية، وسلم من القتل، فتكون الحرابة خففت عنه القتل.

وأجيب عن هذا الإشكال بأنه لا يلزم من إقامة هذه الحدود على المحارب المرتد مثلا، أن تسقط عنه المطالبة بالعود إلى الإسلام، أو القتل. وقد نقل البخاريّ في تفسير "سورة المائدة"، عن سعيد بن جبير أن معنى المحاربة للَّه الكفر به. وأخرج الطبري من طريق روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس في آخر قصة العرنيين، قال: فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣]، وأخرج نحوه من وجه آخر عن أنس. وأخرج الإسماعيلي هناك من طريق مروان بن معاوية، عن معاوية بن أبي العباس، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] قال: هم من عكل.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: والمعتمد أن الآية نزلت أولا فيهم، وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق، لكن عقوبة الفريقين مختلفة، فإن كانوا كفارا يخير الإمام فيهم إذا ظفر بهم، وإن كانوا مسلمين فعلى قولين: أحدهما: وهو