للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قول الشافعيّ، والكوفيين ينظر في الجناية، فمن قَتل قُتل، ومن أخذ المال قُطع، ومن لم يقتل ولم يأخذ مالا نُفي، وجعلوا "أو" للتنويع. وقال مالك: بل هي للتخيير، فيتخير الإمام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة، ورجح الطبري الأول. ذكره في "الفتح" (١).

وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف الناس في سبب نزول هذه الآية، فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين، روى الأئمة، واللفظ لأبي داود، عن أنس بن مالك: "أن قوما من عكل، أو قال: من عرينة، قدموا إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، واستاقوا النعم، فبلغ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خبرهم من أول النهار، فأرسل في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، قال أبو قلابة: فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا اللَّه ورسوله، وفي رواية: فأمر بمسامير، فأحميت وكحلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم، وما حسمهم، وفي رواية: بعث رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال: فأنزل اللَّه تبارك وتعالى في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الآية [المائدة: ٣٣]، وفي رواية: قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يَكْدِم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا، وفي البخاري (٢) قال جرير بن عبد اللَّه في حديثه: فبعثني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في نفر من المسلمين، حتى أدركناهم وقد أشرفوا على بلادهم، فجئنا بهم إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال جرير: فكانوا يقولون: الماء، ويقول رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "النار".

وقد حكى أهل التواريخ والسير، أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه، وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات، وأدخل المدينة ميتا، وكان اسمه يسار، وكان نوبيا، وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ستّ من الهجرة، وفي بعض الروايات عن أنس: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم.

وروي عن ابن عباس، والضحاك، أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب، كان بينهم وبين رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عهد، فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض.

وفي مصنف أبي داود، عن ابن عباس قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}


(١) راجع "الفتح" ١٤/ ٦٦ - ٦٧.
(٢) هكذا نسخة تفسير القرطبيّ، والظاهر أنه تصحيف من "الطبري"؛ لأن هذه الرواية ليست في البخاريّ، بل في تفسير الطبريّ، وإسنادها ضعيف، كما قاله في "الفتح" ١/ ٤٥٢ فتنبّه.