للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وينفى، وليس كذلك الآية، ولا معنى "أو" في اللغة، قاله النحاس.

واحتج الأولون بما ذكره الطبريّ عن أنس بن مالك، أنه قال: سأل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - جبريل - عليه السلام -، عن الحكم في المحارب؟ فقال: "من أخاف السبيل وأخذ المال، فاقطع يده للأخذ ورجله للإخافة، ومن قتل فاقتله، ومن جمع ذلك فاصلبه"، قال ابن عطية: وبقي النفي للمخيف فقط، والمخيف في حكم القاتل، ومع ذلك فمالك يرى فيه الأخذ بأيسر العذاب والعقاب استحسانا. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي القول بتخيير الإمام أرجح؛ لظاهر الآية. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): اختلفوا في معنى قوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} الآية [المائدة: ٣٣]: فقال السدي: هو أن يطلب أبدا بالخيل والرجل حتى يؤخذ، فيقام عليه حد اللَّه، أو يخرج من دار الإسلام هربا ممن يطلبه، عن ابن عباس، وأنس بن مالك، ومالك بن أنس، والحسن، والسدي، والضحاك، وقتادة، وسعيد بن جبير، والربيع بن أنس، والزهري، حكاه الرماني في كتابه. وحكي عن الشافعي أنهم يُخرجون من بلد إلى بلد، ويطلبون لتقام عليهم الحدود، وقاله الليث بن سعد، والزهري أيضا، وقال مالك أيضا: ينفى من البلد الذي أحدث فيه هذا إلى غيره، ويحبس فيه كالزاني، وقال مالك أيضا، والكوفيون: نفيهم سجنهم، فينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها، فصار كأنه إذا سُجن فقد نفي من الأرض، إلا من موضع استقراره، واحتجوا بقول بعض أهل السجون في ذلك:

خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا … فَلَسْنَا مِنَ الأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الأَحْيَا

إِذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ … عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا

حكى مكحول أن عمر بن الخطاب - رضي اللَّه تعالى عنه - أول من حبس في السجون، وقال: أحبسه حتى أعلم منه التوبة، ولا أنفيه من بلده إلى بلد، فيؤذيهم، والظاهر أن الأرض في الآية هي أرض النازلة، وقد تجنب الناس قديما الأرض التي أصابوا فيها الذنوب، ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدسة (١). وينبغي للإمام إن كان هذا المحارب مخوف الجانب، يُظن أنه يعود إلى حرابة، أو إفساد أن يسجنه في البلد الذي يُغَرَّب إليه، وإن كان غير مخوف الجانب، فظن أنه لا يعود إلى جناية سرح. قال ابن عطية: وهذا صريح مذهب مالك أن يغرب، ويسجن حيث يغرب، وهذا على


(١) هو الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسًا، ثم جاء تائبًا، وقصته مشهور في "الصحيح".