وإنما هو على الفساد العام، من التخويف، وسلب المال، قال اللَّه تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} الآية [المائدة: ٣٣]، فأمر تعالى بإقامة الحدود على المحارب، إذا جمع شيئين: محاربة، وسعيا في الأرض بالفساد، ولم يخص شريفا من وضيع، ولا رفيعا من دنيء. قاله القرطبيّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): إذا أخاف المحاربون السبيل، وقطعوا الطريق، وجب على الإمام قتالهم، من غير أن يدعوهم، ووجب على المسلمين التعاون على قتالهم، وكفهم عن أذى المسلمين، فإن انهزموا لم يتبع منهم مُدبرا، إلا أن يكون قد قَتل وأخذ مالا، فإن كان كذلك اتبع ليؤخذ ويقام عليه ما وجب لجنايته، ولا يُدَفَّف (١) منهم على جريح، إلا أن يكون قد قتل، فإن أُخذوا ووجد في أيديهم مال لأحد بعينه، رد إليه أو إلى ورثته، وإن لم يوجد له صاحب جعل في بيت المال، وما أتلفوه من مال لأحد غَرِموه، ولا دية لمن قتلوا إذا قُدر عليهم قبل التوبة، فإن تابوا وجاءوا تائبين لم يكن للإمام عليهم سبيل، وسقط عنهم ما كان حدا للَّه، وأُخذوا بحقوق الآدميين، فاقتُصَّ منهم النفس والجراح، وكان عليهم ما أتلفوه من مال ودم لأوليائه في ذلك، ويجوز لهم العفو، والهبة كسائر الجناة من غير المحاربين، هذا مذهب مالك، والشافعيّ، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وإنما أخذ ما بأيديهم من الأموال، وضمنوا قيمة ما استهلكوا؛ لأن ذلك غصب فلا يجوز ملكه لهم، ويُصرف إلى أربابه، أو يوقفه الإمام عنده حتى يعلم صاحبه.
وقال قوم من الصحابة والتابعين: لا يطلب من المال إلا بما وجد عنده، وأما ما استهلكه فلا يطلب به، وذكر الطبري ذلك عن مالك، من رواية الوليد بن مسلم عنه، وهو الظاهر من فعل عليّ بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -، بحارثة بن بدر الْغُدَاني، فإنه كان محاربا، ثم تاب قبل القدرة عليه، فكتب له بسقوط الأموال والدم عنه كتابا منشورا، قال ابن خويزمنداد: واختلفت الرواية عن مالك في المحارب، إذا أقيم عليه الحد، ولم يوجد له مال، هل يتبع دينا بما أخذ، أو يسقط عنه كما يسقط عن السارق، والمسلم والذمي في ذلك سواء. انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.