للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفتح": لا تنافي بين هذه الروايات؛ لأنه يُجمع بينها بأنه رماها بحجر، فأصاب رأسها، فسقطت على حجر آخر. انتهى (١).

(فَأُخِذَ) بالبناء للمفعول (فَأَمَرَ بِهِ رسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي بعد أن اعترف بقتلها، ففي الرواية الآتية في "القسامة"، من طريق قتادة، عن أنس: "فأُدركت، وبها رَمَقٌ، فأتي بها رسولُ اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فقال: "من قتلكِ، فلان؟ "، قالت برأسها: لا، قال: "فلان؟ "، قال: حتى سَمَّى اليهوديّ، قالت برأسها: نعم، فأُخذ، فاعترف، فأَمر به رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " (أَنْ يُرجَمَ) بالبناء للمفعول (حَتَّى يَمُوتَ) وفي رواية قتادة المذكورة: "فرُضخ رأسه بين حجرين"، وفي رواية هشام بن زيد، عن أنس: "فقتله بين حجرين". وفي رواية البخاريّ: "فرُضّ رأسه بالحجارة". قال القاضي عياض: رضخه بين حجرين، ورميه بالحجارة، ورجمه بها بمعنى، والجامع أنه رمي بحجر، أو أكثر، ورأسه على آخر.

وقال ابن التين: أجاب بَعْض الْحَنَفِيَّة، بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى الْمُمَاثَلَة فِي الْقِصَاص؛ لِأَنَّ الْمَرْأَة كَانَتْ حَيَّة، وَالْقَوَد لَا يَكُون فِي حَيِّ. وَتَعَقَّبهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ بَعْد موْتها؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيث: "أَفُلَان قَتَلَك؟ "، فَدلَّ عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَجُود بِنَفْسِها، فَلَمَّا مَاتَتْ اقْتَصَّ مِنْهُ.

وَادَّعى ابْن الْمُرَابِط مِنْ الْمَالِكِيَّة، أَنَّ هَذَا الْحُكْم كان في أَوَّل الإسْلَام، وهُو قَبُول قَوْل الْقَتِيل، وأمَّا مَا جَاءَ أَنَّهُ اعْترف، فَهُوَ فِي رِوَايَة قَتَادَة، وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْره، وَهَذَا مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ انْتَهَى.

قال الحافظ: وَلَا يَخْفَى فَسَادَ هَذِهِ الدَّعْوَى، فَقَتَادَةُ حَافِظٌ، زِيَادَتُهُ مَقْبُولَة؛ لِأَنَّ غَيْره لَمْ يَتَعَرَّض لِنَفْيِهَا، فَلَمْ يَتَعَارَضَا، وَالنَّسْخ لا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ. قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- عند قوله: "فأمر به رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أن يُرجم حتى يموت، فرُجم حتى مات": هذا مخالفٌ لمساق الرواية الأولى، فلذلك قيل في هذا: إنها قضيّةٌ أُخرى غير تلك. والأولى أن القضيّةَ واحدةٌ، غير أن الراوي عبّر عن رَضِّ رأس اليهوديّ بالحجارة بالرجم، ولا بُعد في ذلك؛ فإنه من تسمية الشيء بما يُشبهه. انتهى (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "فتح" ١٤/ ١٨٠ - ١٨١. "كتاب الديات". رقم الحديث ٦٨٧٦.
(٢) "فتح" ١٤/ ١٨٢. "كتاب الديات" رقم الحديث ٦٨٧٦.
(٣) "المفهم" ٥/ ٣١. "كتاب القسامة".