للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهله؛ لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة للَّه ولرسوله الساعية في الأرض فسادًا، جماعةً كانوا أو واحدًا.

فأما المستخفي بسرقته، والمتلَصِّص على وجه اغتفال مَنْ سرقَهُ، والشاهر في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع، فإن حكم اللَّه عليه، تاب، أو لم يتُب ماضٍ، وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب وليّه بدم، أو خَتْلٍ مأخوذٌ، وتوبته فيما بينه وبين اللَّه جلّ وعز، قياسًا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئًا من ذلك، وهو للمسلمين سِلْمٌ، ثم صار لهم حَرْبًا أن حربه إياهم لن يضع عنه حقًّا للَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ولا لآدميّ، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء، أو باستخفاء، وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده، ولا له فئةٌ يَلجأ إليها مانعةٌ منه.

وفي قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] دليلٌ واضحٌ لمن وُفّق لفهمه أن الحكم الذي ذكره اللَّه تعالى في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين، دون المشركين الذين قد نصبوا للمسلمين حربًا، وذلك أن ذلك لو كان حكما في أهل الحرب من المشركين، دون المسلمين، ودون ذمّتهم لوجب أن لا يُسقِط إسلامهم عنهم إذا أسلموا، أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم، وتوبتهم، من القتل، وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين، وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربيّ يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه ما يدلّ على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال: عُنِي بآية المحاربين في هذا الموضع حُرّابُ أهل الملّة، أو الذمّة، دون من سواهم من مشركي أهل الحرب. انتهى كلام ابن جرير -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي رجّحه الإمام ابن جرير -رحمه اللَّه تعالى- في تأويل هذه الآية هو الأرجح عندي؛ لقوّة مُتمسّكه، كما بيّنه هو. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "تفسير ابن جرير الطبريّ" ١٠/ ٢٧٧ - ٢٨٩. "تفسير سورة المائدة".