للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَعَمْرُ أَبِيهَا إِنَّ هَمْدَانَ تتَّقِي الْـ … إلَهَ وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبُهَا

[القول الثالث]: أن معنى ذلك كلّ من جاء تائبًا من الْحُرّاب قبل القدرة عليه، استأمن الإمام، فأمّنه، أو لم يستأمنه بعد أن يجيء مستسلمًا تاركًا للحرب.

ثم أخرج بسنده من طريق الأَشْعَث، عن عامر الشعبيّ، قال: جاء رَجُل من مراد إلى أبِي مُوسَى، وهو على الكوفة، في إمرة عثمان - رضي اللَّه تعالى عنه - بعد ما صلّى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى: هَذَا مَقَام الْعَائِذ بك، أَنَا فُلان بْن فُلان المراديّ، وإني كُنْت حَارَبَت اللَّه ورَسُوله، وسعيت في الأرض فسادًا، وإني تبت مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَرَ عَلَيَّ، فَقَالَ أبُو مُوسَى: إِنَّ هذا فُلان بْن فُلَان، وإنه كَانَ مِمَّنْ حَارَبَ اللَّه ورَسُوله، وسعىِ في الأرض فسادًا، وإنه تاب مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ، فمن لقيه فَلَا يَعْرِض لَهُ أَحَد إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنْ يَكُ صَادِقًا، فَسَبِيلِ من صدق، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا، تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء اللَّه، ثم إنه خرج، فأدركه اللَّه تعالى بذنوبه، فقتله.

[القول الرابع]: أن المستثنى في الآية هو التائب من حربه للَّه ورسوله، وسعيه في الأرض بالفساد بعد لحاقه بدار الكفر، فأما إذا كانت حرابته، وحربه وهو مقيم في دار الإسلام، وداخلٌ في غمارة الأمة، فليست توبته واضعةٌ عنه شيئًا من حدود اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين، بل يؤخذ بذلك.

[القول الخامس]: أنه إن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام، وهو في غير مَنْعَةَ من فئة يلجأ إليها، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته لا تضع عنه شيئًا من عقوبته، ولا من حقوق الناس، وإن كانت حرابته، وحَرْبه في دار الإسلام، أو هو لاحقٌ بدار الكفر، غير أن في كلّ ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته تضع عنه كلّ ما كان من أَحْداثه في أيام حرابته تلك، إلا أن يكون أصاب حدًّا، أو أمر الرُّفْقة بما فيه عقوبة، أو غُرْمٌ لمسلم، أو مُعاهد، وهو غير ملتجىء إلى فئة تمنعه، فإنه يؤخذ بما أصاب من ذلك، وهو كذلك، ولا يضع ذلك عنه توبته.

[القول السادس]: أن توبته تضع عنه حدّ اللَّه الذي وجب عليه بمحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم، وممن قال بذلك الشافعيّ، كما رواه عنه الربيع.

قال ابن جرير -رحمه اللَّه تعالى-: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه، أو بجماعة معه قبل القدرة عليه تضع عنه تَبِعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حَرْبه، وحرابته، من حدود اللَّه، وغُرْم لازم، وقَوَد، وقصاص، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين، والمعاهدين بعينه، فيُردّ على