للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هو أحد الأقوال التي ذُكرت في معنى: هذه الآية الكريمة، وقد استوفى تلك الأقول الإمام ابن جرير الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره"، أحببت تلخيصه فيما يلي:

[القول الأول]: أن المعنى: إلا الذين تابوا من شركهم، ومناصبتهم الحرب للَّه، ولرسوله صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، والسعي في الأرض بالفساد بالإسلام، والدخول في الإيمان من قبل قدرة المؤمنين عليهم، فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلها اللَّه جزاء لمن حاربه ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، من قتل، أو صلب، أو قطع يد ورجل من خلاف، أو نفي من الأرض، فلا تِباعة قِبَله لأحد فيما كان أصاب في حال كفره، وحربه المؤمنين في مال، ولا دم، ولا حرمة، قالوا: فأما المسلم إذا حارب المسلمين، أو المعاهدين، وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة، فلا تَضَعُ توبته عنه عقوبةَ ذنبه، بل توبته فيما بينه وبين اللَّه، وعلى الإمام إقامة الحدّ الذي أوجبه اللَّه عليه، وأخذه بحقوق الناس.

[القول الثاني]: أن هذه الآية الكريمة معنيّ بالحكم بها المحاربون اللَّه ورسوله الْحُرّاب من أهل الإسلام من قطع منهم الطريق، وهو مقيم على إسلامِهِ، ثم استأمن، فأومن على جناياته التي جناها، وهو للمسلمين حرب، ومن فعل ذلك منهم مرتدًّا عن الإسلام، ثم لحق بدار الحرب، ثم استأمن، فأومن، قالوا: فإذا أمّنه الإمام على جناياته التي سلفت لم يكن قِبَله لأحد تَبِعة في دم، ولا مال أصابه قبل توبته، وقبل أمان الإمام إياه.

ثم أخرج بسنده، عَنْ الشَّعْبِيّ، أن حَارِثَة بْن بَدْر حارب في عهد عليّ بن أبي طالب، فأتى الحسن بن عليّ، - رضي اللَّه تعالى عنهما -، فطلب إليه أن يستأمن له من عليّ، فأبى، ثم أتى ابن جعفر، فأبى عليه، فَأَتَى سَعِيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيَّ، فأمنه، وضمّه إليه،، وقال له: استأمن لي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، قال: فلما صلّى عليّ الغداةَ أتاه سعيد بن قيس، فقال: يا أمِير الْمُؤْمِنِينَ، ما جزاء الذين يحاربون اللَّه ورسُوله؟ قَالَ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣]، قال: ثُمَّ قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}، فَقَالَ سَعِيد: وَإِنْ كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر؟، قال: وإن كان حارثة بن بدر، قال: فَهَذَا حَارِثَة بْن بَدْر، قَدْ جَاءَ تَائِبًا، فهُو آمِنُ؟، قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَجَاءَ بِهِ إِليْهِ، فَبَايَعَهُ، وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا.

فقال حارثة [من الطويل]:

أَلَا أَبْلِغَا هَمْدَان إِمَّا لَقِيتَهَا … عَلَى النَّأْيِ لَا يَسْلَمْ عَدُوٌّ يَعِيبُهَا