وذهبت طائفة إلى أن الوضوء واجب لكل صلاة مطلقا، ولو من غير حدث، وروي ذلك عن ابن عمر، وأبي موسى، وجابر بن عبد الله، وعَبيدَة السلماني، وأبي العالية، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم، والحسن، وحكى ابن حزم في كتاب الإجماع هذا المذهب عن عمرو بن عبيد.
وقال النووي في شرح مسلم: وحكى أبو جعفر الطحاوي، وأبو الحسن بن بطال في شرح صحيح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة، وان كان متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة: ٦]، وما أظن هذا المذهب يصح، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة. انتهى. وروينا عن إبراهيم النخعي أنه لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات.
ومذهب أكثر العلماء من الأئمة، وأكثر أصحاب الحديث، وغيرهم أن الوضوء لا يجب إلا من حدث، واستدلوا بالأحاديث الصحيحة، كحديثي (١) الباب، وحديث سويد المتقدم، وفي معناها أحاديث كثيرة، كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وسائر الأسفار، والجمع بين الصلوات الفائتة يوم الخندق، وغير ذلك. (وأما) الآية الكريمة: فالراد بها -والله أعلم- إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وأنتم محدثون. واستدل الدارمي على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - لا وضوء إلا من حدث. وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير: إذا قمتم من النوم.
فإن قلت: ظاهر الآية يقتضي التكرار؛ لأن الحكم المذكور، وهو قوله {فَاغْسِلُوا} معلق بالشرط، وهو إذا قمتم إلى الصلاة، فيقتضي