للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لصدُوقٌ، وإن رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - لأصدق منك، وإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث، فأسلم، فحسُن إسلامه.

وأخرج أيضًا بسنده عن السّدّيّ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} [آل عمران: ٨٦]، قال: أُنزلت في الحارث بن سُويد الأنصاريّ، كفر بعد إيمانه، فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- فيه هذه الآيات إلى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} [آل عمران: ٨٨]، ثم تاب، وأسلم، فنسخها اللَّه عنه، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٨٩].

وأخرج أيضًا عن ابن جُريج، عن مجاهد، قال: هو رجلٌ من بني عمرو بن عوف، كفر بعد إيمانه، قال ابن جريج: أخبرني عبد اللَّه بن كثير، عن مجاهد، قال: لحق بأرض الروم، فتنصّر، ثم كتب إلى قومه: "أرسلوا، هل لي من توبة؟ "، قال: فحسبت أنه آمن، ثم رجع. قال ابن جريج، قال عكرمة: نزلت في أبي عامر الراهب، والحارث بن سُويد بن الصامت، ووَحْوَح بن الأسلت، في اثني عشر رجلًا، رجعوا عن الإسلام، ولحقوا بقريش، ثم كتبوا إلى أهلهم: هل لنا من توبة؟، فنزلت: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} الآيات [آل عمران: ٨٩].

(أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ) أي رجع عن الإسلام إلى الكفر نعوذ باللَّه تعالى منه- (وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ) أي بأهله (ثُمَّ تَنَدَّمَ) أي ندم على ارتداده، والتندّم تفعّل من الندم للمبالغة (فأرسل إِلى قومِهِ) قائلًا (سَلُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟، فَجَاءَ قَوْمُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالُوا: إِنَّ فُلانًا قَدْ نَدِمَ) بكسر الدال، من باب تَعِبَ (وَإِنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نَسأَلَكَ، هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةِ؟، فَنَزَلَتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٨٦ - ٨٩]، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ).

وقيل: نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، فقد أخرج ابن جرير بإسناده عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: هم أهل الكتاب عرفوا محمد - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، ثم كفروا به. وأخرج عن الحسن قال: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت محمد - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - في كتابهم، وأقرّوا به، وشهدوا أنه حقّ، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك، فأنكروه، وكفروا بعد إقرارهم؛ حسدًا للعرب، حين بُعث من غيرهم. وعنه قال: هم أهل الكتاب، كانوا يجدون محمدًا - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - في كتابهم، ويستفتحون به، فكفروا بعد إيمانهم.

قال ابن جرير بعد ذكر القولين: وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن، من أن هذه الآية معنيٌّ بها أهلُ الكتاب على ما قال، غير أن الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن، وجائز أن يكون اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذُكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم، وقصّة من كان سبيله