سبّ النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - يُقتلُ، وقد قيل: لا خلاف في أن سابّه من المسلمين يجب قتله، وإنما الخلاف إذا كان ذميًّا، وسيأتي تحقيق الخلاف في المسألة التالية إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): أنه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - كان أحيانًا لا يطلب البينة، بل يحكم بقول المدعي؛ لثبوت صدقه لديه وحيًا، وهذا لا يسع أحدًا غيره، كما سيأتي قول أبي بكر الصديق - رضي اللَّه تعالى عنه - في الباب التالي:"ما كان لأحد بعد محمد - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم من سبّ النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -:
وقال ابن بطّال -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف العلماء فيمن سبّ النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، فأما أهل العهد والذمّة، كاليهود، فقال ابن القاسم، عن مالك: يُقتل من سبّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - منهم، إلا أن يُسلم، وأما المسلم، فيُقتل بغير استتابة. ونقل ابن المنذر عن الليث، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق مثله في حقّ اليهودي ونحوه.
وروي عن الأوزاعيّ، ومالك في المسلم أنها ردّة، يُستتاب منها. وعن الكوفيين: إن كان ذِميًّا عُزِّر، وإن كان مسلما فهي ردّةٌ. وحكى عياضٌ خلافًا، هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح، أو لمصلحة التأليف. ونقل عن بعض المالكيّة أنه إنما لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون: السام عليك؛ لأنهم لم تقُم عليهم البينة بذلك، ولا أقرّوا به، فلم يَقض فيهم بعلمه. وقيل: إنهم لما لم يُظهروه، ولووْه بألسنتهم ترك قتلهم. وقيل: إنه لم يحمل ذلك منهم على السبّ، بل على الدعاء بالموت الذي لا بدّ منه، ولذلك قال في الردّ عليهم:"وعليكم"، أي الموت نازلٌ علينا وعليكم، فلا معنى للدعاء به. أشار إلى ذلك القاضي عياض. وكذا من قال السأم بالهمز بمعنى السآمة، هو دعاء بأن يملّوا الدين، وليس بصريح في السبّ. وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك، من ذميّ، أو معاهد، فترك لمصلحة التأليف، هل ينتقض بذلك عهده؟ محلّ تأمّل.
واحتجّ الطحاويّ لأصحابه بحديث أنس - رضي اللَّه تعالى عنه -، قال: مرّ يهودي