للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

برسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: السامُ عليك، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وعليك"، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أتدرون ما يقول؟ "، قال: "السام عليك"، قالوا: يا رسول اللَّه، ألا نقتله؟، قال: "لا، إذا سلّم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم". رواه البخاريّ. وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَام لَوْ صَدَرَ مِنْ مُسْلِم، لَكَانَ رِدَّة، وَأَمَّا صُدُوره مِنْ اليَهُود، فَالَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الكُفْر، أَشَدّ مِنهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتُلهُم النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ دِمَاءهُم لَمْ تُحقَن إلا بِالْعَهْدِ، وَلَيْسَ فِي الْعَهْد أَنَّهُم يَسُبُّون النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَمَنْ سَبَّهُ مِنْهُم، تَعَدَّى الْعَهْد، فَيَنْتَقِض، فَيَصِير كَافِرًا بِلا عَهْد، فَيُهْدَر دَمه، إِلا أَنْ يُسْلِم.

قال في "الفتح": وَيُؤيِّدهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلّ مَا يَعْتَقِدُونَهُ، لا يُؤَاخَذُون بِهِ، لَكَانُوا لَوْ قَتَلُوا مُسْلمًا، لَمْ يُقْتَلُوا؛ لَأَنَّ مِنْ مُعْتَقَدهمْ حِلَّ دِمَاء الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مُسْلِمًا قُتِلَ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يُقْتَل بِالْمُسْلِمِ قِصَاصًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَل بِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ، وَلَوْ سَبَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يُقْتَل.

قُلْنَا: الْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ قَتْل الْمُسْلِم، يَتَعَلَّق بِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَلَا يُهْدَر، وَأَمَّا السَّبّ فَإِنَّ وُجُوب الْقَتْل بِهِ، يَرْجِع إِلَى حَقّ الدِّين، فَيَهْدِمهُ الإسْلام.

وَالَّذِي يَظْهر، أَنَّ تَرْك قَتْل الْيَهُود إِنَّمَا كَانَ لِمَصْلَحةِ التَّأْليف، أَوْ لِكَوْنِهمْ لَمْ يُعلِنُوا بِهِ، أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، وَهُوَ أَوْلَى، وَاللَّه أَعْلَمُ. انتهى. ما في "الفتح" (١).

وقال الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: ثبت عنه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أنه قضى بإهدار دم أم ولد الأعمى، لمّا قتلها مولاها على السبّ. وقتل جماعة من اليهود على سبّه وأذاه، وأمّن الناس يوم الفتح إلا نفرًا ممن كان يؤذيه، ويهجوه، وهم أربعة رجال، وامرأتان. وقال: "مَن لكعب بن الأشرف؟، فإنه قد آذى اللَّه ورسوله"، وأهدر دمه، ودم أبي رافع. وقال أبو بكر الصّدّيق - رضي اللَّه تعالى عنه - لأبي برزة الأسلميّ - رضي اللَّه تعالى - عنه، وقد أراد قتل من سبّه: ليس لأحد بعد رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فهذا قضاؤه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، وقضاء خلفائه من بعده، ولا مخالف لهم من الصحابة، وقد أعاذهم اللَّه تعالى من مخالفة هذا الحكم. وقد روى أبو داود في "سننه" عن عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - أن يهوديّة كانت تشتم النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، وتقع فيه، فخنقها رجلٌ حتى ماتت، فأبطل رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - دمها (٢).


(١) "فتح" ١٤/ ٢٨٣ - ٢٨٥. "كتاب استتابة المرتدين" رقم ٦٩٢٦.
(٢) رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعًا؛ لأن الشعبيّ الراوي له عن عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - لم يسمع منه.