للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[أَحَدهَا]: مَا لَطُفَ وَدَقَّ، وَمِنْهُ سَحَرْتُ الصَّبِيَّ: خَادَعْته، وَاسْتَمَلْته، وَكُلّ مَن اسْتَمَالَ شَيْئًا فَقَدْ سَحَرَهُ، وَمِنْهُ إِطْلَاقَ الشُّعَرَاءَ سِحْر الْعُيُون، لِاسْتِمَالَتِهَا النُّفُوس، وَمِنْهُ قَول الأَطِبَّاء: الطَّبِيعَة سَاحِرَة، وَمِنْهُ قوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: ١٥]: أَيْ مَصْرُوفُونَ عَنْ الْمَعْرِفَة، وَمِنْهُ حَدِيث: "إِنَّ مِنْ البَيَان لَسِحَرًا".

[الثَّانِي]: مَا يَقَع بِخِدَاع، وَتَخَيِيلَات، لَا حَقِيقَة لَهَا، نَحْوَهَا مَا يَفْعَلَهُ الْمُشعْوِذ مِنْ صَرْف الأَبْصَار، عَمَّا يَتَعَاطَاهُ بِخِفَّةِ يَده، وَإِلَى ذَلِكَ الإشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦]، وقوله تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف: ١١٦]، وَمِنْ هُنَاكَ سَمَّوُا مُوسىَ سَاحِرا. وَقَدْ يَسْتَعِين فِي ذَلِكَ بِمَا يَكُون فِيهِ خَاصِّيَّة، كَالحَجَرِ الَّذِي يَجْذِبُ الحَدِيد الْمُسَمَّى الْمِغْنَطِيس.

[الثَّالِث]: مَا يَحْصُل بمُعاونَةِ الشَّيَاطِين، بِضَرْب مِنْ التَّقَرُّب إلَيْهِمْ، وَإلَى ذَلِكَ الإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢].

[الرَّابع]: مَا يَحْصُل بِمُخَاطَبَةِ الْكَوَاكِب، وَاسْتِنْزَال رُوحَانِيَّاتهَا بِزَعْمِهِمْ. قَالَ ابْن حَزْم: وَمِنْهُ مَا يُوجَد مِنْ الطَّلْسَمَات، كَالطَّابع المَنْقُوش فِيهِ صُورَة عَقْرَب، فِي وَقْت كَوْن الْقَمَر فِي الْعَقْرَب، فَيَنْفَع إِمْسَاكه مِنْ لَدْغَةَ الْعَقْرب. وَكَالمُشَاهَدِ بِبَعْضِ بِلَاد الغَرْب -وَهِيَ سَرْقَسْطَة- فَإِنَّهَا لَا يَدْخُلهَا ثُعْبَان قَطُّ، إِلَّا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِرَادَته. وَقَدَ يَجْمَع بَعْضهمْ بَيْن الأَمْرَيْنِ الأَخِيرَيْنِ، كَالِاسْتِعَانةِ بِالشَّيَاطِينِ، وَمُخَاطَبَة الكَوَاكِب، فَيَكُون ذَلِكَ أَقْوَى بِزَعْمِهِمْ.

قَالَ أَبُو بَكْر الرَّازِيُّ فِي "الأْحَكام" لهُ: كان أهل بابِل، قوما صابِئِين، يعبُدُون الكواكِب السَّبعة، ويُسمونها آلِهة، ويعتقِدُون أنها الفعَّالة لِكُل ما في العالم، وعمِلُوا أوثانا على أسمائِها، ولِكُل واحِد هيكل، فِيهِ صنمه، يتقرَّب إِليهِ بِما يُوافِقهُ بِزعمِهِمِ، من أدعِية، وبخُور، وهُم الذين بُعِث إِليهِم إِبراهِيمُ عليهِ السلام، وكانت علُومهم أحكام النجُوم، ومع ذلِك فكان السّحرة مِنهُم، يستعمِلُون سائِر وُجُوه السحر، وينسُبُونها إِلى فِعل الكواكِب؛ لِئلا يُبحث عنها، وينكشِف تموِيهُهُم. انتهى.

ثُمَّ السِّحْر يُطلق، وُيراد بِهِ الآلة الَّتِي يُسحر بهِا، ويُطلق ويراد بِهِ فِعل السَّاحِر، والآلة تارة تكُون معنى من المعانِي فقط، كالرُّقى، والنَّفثِ في العُقد. وتارة تكُون بِالمحسُوساتِ، كتصوِيرِ الصُّورة على صُورة المسحُور. وتارة بِجمع الأمرينِ: الحِسِّيّ، والمعنويّ، وهُو أبلغ. انتهى ما في "الفتح" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه


(١) "فتح" ١١/ ٣٨٤ - ٣٨٥.