(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في أن السحر، هل له حقيقة، أم لا؟: ذهبت طائفة إلى أن السحر تَخْيِيل، ولا حقِيقة لهُ، وهذا اختِيار أبِي جعْفر الإستِرباذِيّ، من الشَّافِعِيّة، وأبِي بكر الرَّازِيَّ، من الحنفِية، وابن حزْم الظَّاهِرِيّ، وطائفة.
وذهبت طائفة إلى أن لهُ حقِيقة، قال النَّووِي: وهو الصحِيح وبِهِ قطع الجمهور، وعليهِ عامة العُلماء، ويدُل عليهِ الكِتاب، والسُّنَّة الصَّحِيحة المشهُورة. انتهى.
قال الحافظ في "الفتح": لكِنْ محلّ النزاع، هك يقع بِالسِّحرِ انقِلاب عين، أوْ لا؟، فمن قال: إِنَّهُ تخيِيل فقط، منع ذلِك، ومن قال: إِنَّ لهُ حقِيقة، اختلفُوا، هل له تأثير فقط، بِحيثُ يُغير المزَاج، فيكُون نوْعًا من الأمراض، أوْ يتتهِي إِلى الإحالة، بِحيثُ يصِير الجماد حيوانا مثلاً، وعكسه؟:
فالذِي عليهِ الجمهُور هُو الأوَّل. وذهبت طائِفة قييلة إِلى الثانِي. فإِن كان بِالنَّظرِ إِلى القُدْرة الإلهِيَّة، فمُسلم، وإن كان بالنظرِ إِلى الواقِع، فهُو محلّ الخلاف، فإن كثِيرًا مِمن يدعِي ذلِك، لا يستطِيع إِقامة البرهان عليهِ. ونقل الخطابِيّ أن قوْما أنكرُوا السحر مُطلقا، وكأنَّهُ عنى القائِلين بأنهُ تخيِيل فقط، وإلاَّ فهِي مُكابرة. وقال المازِرِيّ: جمُهُور العُلماء على إِثبات السحر، وأن لهُ حقيقة، ونفى بغضهم حقِيقته، وأضاف ما يقع مِتهُ إِلى خيالات باطِلة، وهُو مردُود؛ لِوُرُودِ النَّقل بإِثباتِ السِّحر، ولِأنَّ العقل لا يُنكِر أن اللَّه قدْ يخرِق العادة عِتد نُطق الساحِر بِكلام مُلفَّق، أوْ تركِيب أجسام، أوْ مزج بين قُوْى على ترتِيب مخصُوص، ونظِير ذلِك ما يقع من حُذَّاق الأطِباء، من مزج بعض العقاقِير بِبغض، حتّى ينْقلِب الضَّارّ مِتها بِمُفردِهِ بِالتَّرْكِيب نافِعا. وقِيل: لا يزِيد تأثِير السِّحْر على ما ذكر اللَّه تعالى في قوْله: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} الآية [البقرة: ١٠٢]؛ لِكوْنِ المقام مقام تهوِيل، فلو جاز أن يقع بِهِ أكثر من ذلِك لذكرهُ.
قال المازِرِيّ: والصحِيح من جِهة العقل، أنهُ يجُوز أن يقع بِهِ أكثر من ذلِك، قال: والآية ليست نصًّا في منع الزيادة، ولوْ قُلنا: إِنها ظاهِرة في ذلِكً.
ثُمَّ قال: والفرق بين السحر، والمعجِزة، والكرامة، أنَّ السِّحر يكُون بمُعاناةِ أقوال وأفعال، حتَّى يتم لِلساحِرِ ما يُرِيد، والكرامة لا تحتاج إِلى ذلِك، بك إنَّما تقع غالِبا اتّفاقًا، وأمَّا المعجِزة، فتمتاز عن الكرامة بِالتَّحدَّي. ونقل إِمام الحرمينِ الإجماع على أنَّ السحر، لا يظهر إِلا من فاسِق، وأن الكرامة لا تظهر على فاسِق. ونقل النَّووِي في زِيادات، "الرَّوْضة" عن المتولِّي نحو ذلِك. ويتبغِي أن يُعتبر بِحالِ من يقع الخارِق مِنهُ،