فإن كان مُتمسكا بِالشرِيعةِ، مُتجنبا لِلمُوبِقاتِ، فالذِي يظهر على يده، من الخوارِق كرامة، وإلاَّ فهُو سِحْر؛ لِأنة ينشأ عن أحد أنواعه، كإِعانةِ الشَّياطِين.
وقال القُرطُبِيّ: السحر حِيل صِناعِيَّة، يُتوصَّل إِليها بِالاكتِساب، غير أنَّها لِدِقتِها، لا يُتوصل إِليها إِلا آحاد الناس، ومادَّته الوُقُوف على خواصّ الأشياء، والعِلم بِوُجُوهِ تركِيبها، وأوْقاته، وأكثرها تخييلات بغيرِ حقِيقة، وإيهامات بِغيرِ ثُبُوت، فيغظُم عند من لا يعرِف ذلِك، كما قال اللَّه تعالًى عن سحرة فِرْعوْن:{وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: ١١٦]، مع أنَّ حِبالهم وعِصِيهم، لم تخرُج عن كوْنها حِبالا وعِصِيًّا. ثُمَّ قال: والحقّ أَنَّ لِبعض أصناف الصحر تأثيرًا في القُلُوب، كالحب والبُغض، وإلقاء الخير والشَّرّ، وفِي الأبدانِ بالألمِ والسَّقَم، وإنَّما المنكُور، أنَّ الجماد يتقلِب حيوانا، أوْ عكسه بسِحْرِ السّاحِر، أو نحْو ذلِك. انتهى ما "الفتح"(١). وهو بحث نفيسٌ جدا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في حكم السحر:
قال في " الفتح": ما حاصله: استُدِلَّ بقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} الآية [البقرة: ١٠٢]- على أنَّ السِّحر كُفر، ومُتعلِّمه كافِر، وهُو واضِح في بعض أنواعه التِي قدَّمتها، وهُو التعبد لِلشياطِين، أوْ لِلكواكِب، وأمّا النَّوْع الآخر الذِي هُو من باب الشَّعودة، فلا يكفر بِهِ من تعلَّمهُ أصْلًا.
قال النَّووِيّ: عمل السحر حرام، وهُو من الكبائِر بِالإجماعِ، وقد عدَّهُ النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من السبع الموبقات، ومِنهُ ما يكُون كُفرًا، ومِنهُ ما لا يكُون كُفرا، بك معصِية كبِيرة، فإن كان فيهِ قوْل، أً وْ فِعل يقتضِي الكُفر، فهُو كُفر، وإلا فلا.
وأما تعلُّمه، وتعليمه فحرام، فإن كان فِيهِ ما يقتضِي الكُفر كفر، واستُتِيب مِنهُ، ولا يُقتل، فإِن تاب قُبِلت توْبته، وإن لم يكُن فِيهِ ما يقتضِي الكُفر عُزر. وعق مالِك: السَّاحِر كافِر، يُقتل بِالسَّحرِ، ولا يستتاب، بك يتحتَّم قتله، كالزندِيقِ. قال عِياض: وبِقوْلِ مالِك قال أحمد، وجماعة من الصَّحابة، والتَّابِعِين.
وقد أجاز بعض العُلماء، تعلم السِّحر لأحدِ أمرينِ: إما لِتميِيزِ ما فِيهِ كُفر من غيره، وإمَّا لإزالتِهِ علّق وقع فِيهِ:
فأمَّا الأول: فلا محذُور فِيهِ، إِلا من جِهة الاعتِقاد، فإِذا سلِم الاعتِقاد، فمعرِفة الشيء بِمُجرَّدِهِ، لا تستلزِم منعًا، كمن يعرِف كيفِية عِبادة أهل الأوْثان لِلأوْثانِ؛ لِأنَّ