للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كيفِية ما يعملهُ السَّاحِر، إِنما هِي حِكاية قوْل، أوْ فِعل، بِخِلافِ تعاطِيه، والعمل بِهِ. وأمَّا الثانِي: فإِن كان لا يتِمّ كما زعم بعضهم، إِلاَّ بِنوْع من أنواع الكُفر، أوْ الفِسق، فلا يحِل أصلا، وإلا جاز؛ لِلمعنى المذكور. وهذا فصلُ الخطاب في هذِهِ المسألة.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-. ما حاصله: وفِي إِيرإد البخاريّ، قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: ١٠٢]، إشارة إِلى اختِياره الحكم بكُفرِ السَّاحِر؛ لِقوْلهِ فِيها: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر} [البقرة: ١٠٢]، فإن ظاهِرها أنهم كفرُوا بِذلِك، ولا يكفر بِتعليمِ الشيء، إِلا وذلِك الشيء كُفر، وْكذا قوْله في الآية على لِسان الملكينِ: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٠٢]، فإن فِيهِ إِشارة إِلى أن تعلُّم السِّحر كُفر، فيكُون العملُ بِهِ كُفرا، وهذا كُلّه واضِح على ما قِرَّرْته مِن العمل بِبعْضِ أنواعه. وقذ زعم بعضهم أن السِّحر، لا يصِحّ إِلاَّ بِذلِك، وعلى هذا فتسمِيه- ما عدا ذلِك سِحرا مجاز، كإِطلاقِ السحر على القوْل البليغ. انتهى المقصود من كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي ذكره الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-، وقرره بحث نفيسٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في قتل الساحر:

قال الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في "زاد المعاد": أخرج الترمذيّ عنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "حدّ الساحر ضربةٌ بالسيف"، والصحيح أنه موقوف على جندب بن عبد اللَّه. وصح عن عمر - رضي اللَّه تعالى عنه - أنه أمر بقتله، وصح عن حفصة - رضي اللَّه تعالى عنها - أنها قتلت مُدبّرةً سحرتها، فأنكر عليها عثمان، إذ فعلته دون أمره. وروي عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أيضًا أنها قتلت مدبّرة سحرتها. وروي أنها باعتها. ذكره ابن المنذر وغيره.

وقد صحّ أن رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - لم يقتل من سحره من اليهود، فأخذ بهذا الشافعيّ، وأبو حنيفة --رحمهما اللَّه تعالى--، وأما مالك، وأحمد --رحمهما اللَّه تعالى-- فإنهما يقتلانه، ولكن منصوص أحمد -رحمه اللَّه تعالى- أن ساحر أهل الذمة لا يُقتل، واحتجّ بأن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - لم يقتل لبيد بن الأعصم اليهوديّ حين سحره. ومن قال بقتل ساحرهم يُجيب عن هذا بأنه لم يُقرّ، ولم تقم عليه بيّنة، وبأنه خشي - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أن يُثير على الناس شرًّا بترك إخراج السحر من


(١) راجع "الفتح" ١١/ ٣٨٣ - ٣٨٨. "كتاب الطبّ" رقم ٥٧٦٣.