وبنفسه، كما قاله الفيّوميّ، وما هنا من الثاني (مَنْ حَوْلَكَ) منصوب على الظرفية، صِلَةُ "من"، يقال: قعدنا حَوْلَهُ بالنصب على الظرفية، أي في الجهات المحيطة به، وَحَوَالَيْهِ بمعناه. قاله الفيّوميّ.
والمعنى: اطلب من الناس الذين يوجدون في الجهات المحيطة بك أن يعينوك على دفعه. وقوله (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) بيان لـ "من"(قَالَ) الرجل (فَإنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلمينَ؟) أي فماذا أفعل؟ (قال) - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطانِ) أي استعن عليه بمن له تسلط على الناس، من وُلاة الأمور (قَالَ) الرجل (فَإِنْ نَأَى) بألف، ثم همزة، أو بالعكس: أي بعُد (السُّلْطَانُ عَنِّي؟) أي من المحلّ الذي أنا فيه، فماذا أفعل؟ (قَالَ) - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (قَاتِلْ) فعل أمر من المقاتلة، والمراد به المدافعة بالأسهل فالأسهل، فإن كان يردعه إغلاظ القول، والتهديد اكتفى به، وإلا انتقل إلى الضرب، وإلا قتله (دُونَ مَالِكَ) أي عنده، أو من أجله، وسيأتي تحقيق معنى "دون" في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى (حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرةِ) بأن تُقتل ظلمّا، فتنال أجر الشهداء في الآخرة، لا في الدنيا، فشهيد الآخرة هو الذي لا يكون له حكم شهداء الدنيا، من دفنه بدمه، ولباسه، وعدم غسله، إلا إذا كان جنبًا، وعدم الصلاة عليه عند من لا يقول به، كما تقدّم في بابه، وشهيد الدنيا هو الذي قُتل في المعركة، في سبيل اللَّه تعالى، وسيأتي بسط لذلك في المسألة الثانية، إن شاء اللَّه تعالى.
(أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ) بأن يخشى أن تقتله، فيهرُب منك، فيسلم لك مالك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث مخارق بن سُليم - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح.
[فإن قلت]: لم يثبت كون مخارق صحابيًّا، كما تقدّم الخلاف فيه، فلا يثبت كونه متصلاً، فكيف يصحّ؟.
[قلت]: يشهد له حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - الآتي بعده، وغيره من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى.
وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا- ٢١/ ٤٠٨٣ - وفي "الكبرى" ٢١/ ٣٥٤٤. وأخرجه (أحمد) في "باقي مسند الأنصار" ٢٢٥٠٧. واللَّه تعالى أعلم.