للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "سيماهم التحليق": أي جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا، وشِعارًا ليُعرفوا به، كما يفعل البعض من رُهبان النصارى يفحصون عن أوساط رؤوسهم، وقد جاء في وصفهم، مرفوعًا: "سيماهم التسبيد" (١) أي الحلق، يقال سبد رأسهُ: إذا حلقه، وهذا كله منهم جهل بما يُزهَد فيه، وما لا يُزهد فيه، وابتداعٌ منهم في دين اللَّه تعالى شيئًا، كان النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، والخلفاء الراشدون، وأتباعهم على خلافه، فلم يُرْوَ عن أحد منهم أنهم اتّسموا بذلك، ولا حلقوا رؤوسهم في غير إحلال، ولا حاجة، وقد كان لرسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - شعرٌ، فتارةً فرقه، وتارة صيّره جُمّةً، وأخرى لِمّة. وقد رُوي عنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أنه قال: "من كانت شعرة، أو جُمّةٌ، فليُكرمها" (٢) وكره مالكٌ الحلاقَ في غير إحرام، ولا حاجة ضروريّة. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بكراهة الحلق محلّ نظر؛ بل هو جائزٌ؛ لما تقدّم من حديث: "احلقوه كلّه، أو اتركوه كلّه"، وإنما الأولى، والمستحبّ تركه؛ اتّباعا لهدي النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فإنه ما كان يحلقه إلا للنسك، فليُتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: "شرّ الخلق، والخليقة": "الخلق": الناس، و"الخليقة": البهائم، وقيل: هما بمعنًى واحد، ويريد بهما جميع الخلائق. قاله ابن الأثير (٤).

وقوله: "قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ) النسائيّ (رَحِمَهُ اللَّه: شَرِيكُ بْنُ شِهَابٍ، لَيْسَ بِذَلِكَ الْمَشْهُورِ" أراد به تضعيف الحديث بجهالة شريك، فإنه مجهول عين؛ لأنه لم يرو عنه غير الأزرق بن قيس. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) رواه أحمد في "مسنده " ٣/ ٦٤ وأبو داود في "سننه" ٤٧٦٦.
(٢) حديث صحيح، راوه أبو داود بلفظ: "من كان له شعر، فليُكرِمه".
(٣) "المفهم" ٣/ ١٢٢. "كتاب الزكاة".
(٤) "النهاية" ٢/ ٧٠.