- (أبو هريرة) - رضي اللَّه تعالى عنه - ١/ ١. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من سداسيات المصنف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالبصريين، غير الصحابيّ، فمدنيّ. (ومنها): أن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: أيوب، عن غيلان، عن زياد، ورواية أيوب عن غيلان من رواية الأقران، وفيه أبو هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: (مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ) أي من طاعة وُلاة الأمور (وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ) أي جماعة المسلمين المجتمعين على إمام واحد، أو إجماع المسلمين على أمر واحد، ففيه تحريم مخالفة الإجماع (فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً) بكسر الميم: فِعلة للَّهيئة، وهي حالة الموت، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
(جَاهِلِيَّةً) بالنصب صفة لـ"مِيتة" أي كمِيتة أهل الجاهليّة، من الضلال والفُرقة. قاله القرطبيّ. وقال النوويّ: أي على صفة موتهم من حيث إنهم فوضى، لا إمام لهم. انتهى.
ويحتمل أن يكون مجرورًا بإضافة "مِيتة" إليه (وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا) بفتح الباء، وتشديد الراء: وهو التقيّ (وَفَاجِرَهَا) بالجيم: وهو المسيء (لَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا) من التحاشي، وهو المجانبة. قال النوويّ: معناه: لا يكترث بما يفعله فيها، ولا يَخاف وباله، وعُقوبته. انتهى.
وفي لفظ عند مسلم:"ولا ينحاش" بالنون: أي لا يجانب، يقال: انحاش إلى كذا: أي انضتم إليه، ومال. قاله القرطبيّ. والمعنى أنه لا يترك أحدًا من الموْمنين إلا قتله (وَلَا يَفِى لِذِي عَهْدِهَا) أي لا يوفي بعهد الذّمّيّين الذين لهم عهد وأمان من المسلمين ذمّتهم، بل ينقضه، ويقتلهم، كما يقتل المسلمين، أو المعنى أنه لا يوفي بعهد البيعة، والولاية (فَلَيْسَ مِنِّي) زاد في رواية مسلم: "ولست منه". قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا التبرّي أنه ليس بمسلم، وهذا صحيحٌ إن كان معتقدًا لحلّيّة ذلك، وإن كان معتقدًا لتحريمه، فهو عاصٍ من العصاة، مرتكب كبيرةً، فأمره إلى اللَّه تعالى،