للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويكون معنى التبرّي على هذا: أي ليست له ذمّة، ولا حرمة، بل إن ظُفِر به قُتل، أو عُوقب بحسب حاله، وجريمته. ويحتمل أن يكون معناه: ليس على طريقتي، ولستُ أرضى طريقته، كما تقدّم أمثالُ هذا.

وهذا الذي ذكره في هذا الحديث هي أحوال المقاتلين على الملك، والأغراض الفاسدة، والأهواء الركيكة، وحميّة الجاهليّة، وقد أبعد من قال: إنهم الخوارج، فإنهم إنما حملهم على الخروج الْغَيْرة للدين، لا شيء من العصبيّة، والملك؛ لكنّهم اخطؤوا التأويل، وحرّفوا التنزيل. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي ذكره القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا. واللَّه تعالي أعلم.

(وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمَّيَّةٍ) بضمّ العين، وكسرها لغتان مشهورتان، والميم مكسورة، مشدّدة، والياء مشدّدة أيضًا، قالوا: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد بن حنبل، والجمهور. وقال إسحاق بن راهوية: هذا كتقاتل القوم للعَصَبيّة. قاله النوويّ (٢).

وقال القرطبيّ: قال بعضهم: العمّيّة: الضلالة. وقال أحمد بن حنبل: هو الأمر الأعمى، كالعصبيّة، لا يستبين ما وجهه؟. وقال إسحاق: هذا في تهارُج القوم، وقتل بعضهم بعضًا، كأنه من التعمية، وهو التلبيس. انتهى (٣).

وقال ابن الأثير: العِمَّيّةٌ فِعّيلة، من العَمَاء: الضلالة، كالقتال في العَصَبيّة والأهواء. وحكَى بعضهم فيها ضمّ العين. انتهى (٤).

(يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّة، أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ) قال في "النهاية": العصبيّة، والتعصّبُ: المحاماة، والمدافعة. والعَصَبيّ: من يُعين قومه على الظلم، وقال أيضًا: هو الذي يغضب لعَصَبته، ويُحامي عنهم. انتهى بتصرّف (٥).

وقال القرطبيّ في "المفهم": قوله: "يغضب لعصبته، أو ينصر عصبته" هكذا رواية الجمهور بالعين، والصاد المهملتين، من التعصّب. وقد رواه العذريّ بالغين، والضاد المعجمتين، من الغضب، والأول أصحّ، وأبين، ويَعضِده تأويل أحمد بن حنبل


(١) "المفهم" ٤/ ٦٠ "كتاب الإمارة".
(٢) "شرح مسلم" للنووي ١٢/ ٣٣١."كتاب الإمارة"
(٣) "المفهم" ٤/ ٥٩. "كتاب الإمارة".
(٤) "النهاية" ٣/ ٣٠٤.
(٥) "النهاية" ٣/ ٢٤٦.