صاحبه (فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ) بضمّ الجيم، والراء، ويجوز تسكين الراء-: هو ما جزفته السيول، وأكلته من الأرض. أفاده في "المصباح". وقال السنديّ: هو مُستعارٌ من جُرُف النهر الطرف، كالسيل، وهو كناية عن قربهما من جهنّم. انتهى.
(فَإِذَا قَتَلَهُ خَرًّا) أي سقط القاتل والمقتول (جَمِيعًا فِيهَا) أي جهنم.
قال في "الفتح": قال العُلماء: مغنى كوْنهما في النار، أنهما يستحِقَّانِ ذَلِكَ، ولكِنَّ أمرهما إِلى اللَّه تعالى، إن شاء عاقبهُما، ثُمَّ أخرجهُما من النار، كسائِرِ الموحِّدِين، وإن شاء عفا عنهُما، فلم يُعاقِبهُما أصلا. وقِيل: هُو محمُول على من استحلّ ذَلِكَ، ولا حُجة فِيهِ لِلخوارِج، ومنْ قال من المعتزِلة، بِان أهل المعاصِي مُخلَّدُون في النار؛ لِأنَّه لا يلزم من قوْله:"فهُما في النار"، استِمرار بقائِهِما فِيها. واحتجّ بِهِ من لم ير القِتال في الفِتنة، وهُنم كُل من ترك القِتال مع عليّ، في حُرُوبه، كسعدِ بْن أبِي وقاص، وعبد اللَّه ابن عُمر، ومُحمد بْن مسلمة، وأبِي بكرة، وغيرهم، وقالُوا: يجِب الكف حتى لوْ أراد أحد قتله، لم يدْفعهُ عن نفسه: ومِتهُم: من قال: لا يدْخُل في الفِتنة، فإن أراد أحد قتله، دفع عن نفسه. وذهب جمُهُور الصحابة والتابِعِين إِلى وُجُوب نصر الحقّ، وقتال الباغِين، وحمل هؤُلاءِ الأحادِيث الوارِدة في ذَلِكَ، على من ضعُف عن القِتال، أوْ قصر نظرُهُ عن معرِفة صاحِب الحقّ.
واتّفق أهل السُّنّة على وُجُوب منع الطّعن على أحد من الصحابة، بِسبب ما وقع لهُم من ذَلِكَ، ولوْ عُرِف المُحِقُّ مِنْهُم؛ لأنهُم لم يُقاتِلُوا في تِلك الحرُوب، إِلا عن اجتِهاد، وقد عفا اللَّه تعالى عن المُخطِئ في الاجتِهاد، بل ثبت أنهُ يُؤجر أجرًا واحِدًا، وأن المصِيب يُؤجر أجرين؛ لما أخرجه الشيخان من حديث عمرو بن العاص، أنه سمع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول:"إذا حكم الحاكم، فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ فله أجر". وحمل هَؤُلاءِ الوعِيد المذكُور في الحديث، على من قاتل بِغيرِ تأوِيل سائِغ، بك بمُجرَّدِ طلب المُلك، ولا يرِد على ذَلِكَ منع أبِي بكرة الأخنف من القِتال، مع عليّ؛ لأن ذَلِكَ وقع عن اجتِهاد من أبِي بكرة، أذاهُ إِلى الامتِناع والمنع، احتِياطا لِنفسِهِ، ولِمن نصحهُ.
قال الطّبرِيّ: لوْ كان الوْاجِب في كُل اختِلاف يقع بين المُسلمِينَ الهرب مِنهُ، بِلُزُومِ المنازِل، وكسر السيُوف، لما أُقِيم حد، ولا أُبطِل باطِل، ولوجد أهل الفُسُوق سبيلا إِلى ارْتِكاب المحرَّمات، من أخذ الأموال، وسفك الدَّماء، وسبي الحرِيم، بأنْ يُحارِبُوهُم، وْيكُف المُسْلِمُون أيدِيهم غنهُم، بِأن يقُولُوا: هذِهِ فتنة، وقد نهُينا عن القِتال فِيها، وهذا مُخالِف لِلأمْرِ بِالأخذِ على أيدِي السُّفهاء. انتهى.