للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أشعرها قلبه وحرص عليها"، وحيثُ ذكر الهمّ بالسيَّئةِ، لم يُقيد بِشيء، بل قال فِيهِ: "ومن همّ بِسيئةٍ لم تُكتب عليهِ"، والمقام مقام الفضل، فلايليق التَّحْجِير فِيهِ.

وذهب كثِير من العُلماء إِلى المؤاخذة بِالعزمِ المصمم، وسأل ابنُ المُبارك سُفْيان الثورِي: أيُوْاخذُ العبد بما يَهُمُّ بِهِ؟ قال: إِذا جزم بذلِك. واستدلّ كثِير مِنهُم بِقوْلِهِ تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، وحملُوا حدِيث أبِي هُريرة الصَّحِيح المرفُوع: "إِنَّ اللَّه تجاوز لِأُمَّتِي عمَّا حدّثت بِهِ أنفُسها، ما لم تعمل بِهِ، أو تكلَّم" على الخطرات.

ثُمَّ افترق هؤُلاءِ، فقالت طائِفة: يُعاقب عليهِ صاحِبُهُ في الدّنيا خاصَّة، بِنحوِ الهمّ والغمّ، وقالت طائِفة: بل يُعاقب عليهِ يوْم القِيامة، لكِن بالعِتاب، لا بالعذاب، وهذا قول ابْنِ جُريج، والرَّبِيع بن أنسِ، وطائفة، ونُسِب ذَلِكَ إِلى ابْنِ عبّاس أيضًا، واستدلُّوا بِحدِيثِ النَّجوْى (١).

واستثنى جمًاعة، مِمّن ذهب إِلى عدم مُؤاخذة من وقع مِنهُ الهم بالمعصِيةِ، ما يقع في الحرم المكيّ، ولوْ لم يُصمِّم، لِقوْلِهِ تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحجّ: ٢٥]، ذكرهُ السُّدِّيّ في تفسِيره عن مُرّة، عن ابْنِ مسعُود، وأخرجهُ أحمد مِن طرِيقه مرفُوعًا. ومِنهُم من رجَّحهُ موْقُوفا، ويُوْيِّد ذَلِكَ أن الحرم يجِبُ اعتِقاد تعظِيمه، فمن همّ بِالمعصِيةِ فِيهِ، خالف الواجِب بِانتِهاكِ حُرمتِهِ.

وتُعُقّب هذا البحث بِأنَّ تعظِيم اللَّه آكَدُ، مِن تعظِيمِ الحرم، ومع ذَلِكَ فمن هَمَّ


= أربعة، والأعمال ستة، فالناس مُوسَّع عليه في الدنيا والآخرة، وموسع له في الدنيا، مقتور عليه في الآخرة، ومقتور عليه في الدنيا، موسع عليه في الآخرة، وشقي في الدنيا والآخرة، والأعمال موجبتان، ومثل بمثل، وعشرة أضعاف، وسبع مائة ضعف، فالموجبتان من مات مسلما مؤمنا، لا يشرك باللَّه شيئًا، فوجبت له الجنة، ومن مات كافرا وجبت له النار، ومن هم بحسنة، فلم يعملها فعلم اللَّه أنه قد أشعرها قلبه، وَحَرَصَ عليها، كتبت له حسنة، ومن همّ بسيئة لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت واحدة، ولم تضاعف عليه، ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها، ومن أنفق نفقة في سبيل اللَّه، كانت له بسبع مائة ضعف". وهذا الإسناد صحيح، رجاله رجال الصحيح، و"فلان بن عميلة": هو يُسير بن عميلة، ويقال له: أُسير، ثقة من الطبقة الثالثة.
(١) حديث النجوى هو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه"، بإسناده، عن صفوان بن مُحرِز، قال: بينا ابن عمر يطوف، إذ عرض رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أو قال: يا ابن عمر، سمعتَ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في النجوى، فقال: سمعت النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "يُدنَى الموْمنُ من ربه، حتى يضع عليه كَنَفَه، فيُقرّره بذنو به، تعرف ذنب كذا، يقول: أعرف، يقول: رب أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون، أو الكفار، فينادى على رءوس الأشهاد: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.