للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالمؤاخذةِ على عزم القلب المستقر، كقوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي} الآية [النور: ١٩]، وقوْله: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: ١٢]، وغير ذَلِكَ.

وقال ابنُ الجوزيّ: إِذا حدّث نفسه بالمعصِيةِ، لم يُؤاخذ، فإِن عزم، وصمّم، زاد على حدِيث النفس، وهُو من عمل القلب. قال: والدلِيل على التّفرِيق بين الهمّ والعزم، أن من كان في الصلاة، فوقع في خاطِرِهِ أن يقطعها، لم تنقطِع، فإِن صَمَّمَ على قطعها بطلت. وأُجِيب عن القوْل الأوَّل، بِان المؤاخذة على أعمال القُلُوب المسْتقِلَّة بِالمعصِيةِ، لا تستلزِم المُؤاخذة على عمل القلب، بِقصدِ معصِية الجارِحة، إِذا لم يعمل المقصُود؛ لِلفرقِ بين ما هُو بالقصْدِ، وما هُو بِالوسِيلةِ.

وقَسَمَ بعضهم ما يقع في النفس أقسامّا، يظهر مِنها الجواب عن الثّانِي: أضعفُها أنْ يخطُر لهُ، ثُمَّ يذهب في الحال، وهذا من الوسوسة، وهُو معفُوْ عنهُ، وهُو دُون التّردُّد. وفوْقهُ أن يتردّد فِيهِ، فيهُم بِهِ، ثُمَّ ينفِر عنهُ، فيترُكهُ، ثُمَّ يَهُم بِهِ، ثُمَّ يترُك كذلِك، ولا يستمرُّ على قصْده. وهذا هُو التّردُّد، فيُعفى عنهُ أيضًا. وفوْقه أن يمِيل إِليهِ، ولا ينفِر عنهُ، لكِن لا يُصمّم على فِعله، وهذا هُو الهمّ, فيُعفى عنهُ أيضًا. وفوْقه أن يمِيل إِليهِ، ولا ينفِر مِنهُ، بل يُصمّم على فِعله، فهذا هُو العزمِ، وهُو مُتتهى الهمّ، وهُو على قِسمينِ:

القِسم الأوَّل: أن يكُونُ من أعمال القُلُوب صِرْفًا، كالشَّك في الوحدانِيَّة، أوْ النُّبُوْة، أوْ البعث، فهذا كُفر، ويُعاقب عليهِ جزمّا. ودُونه المعصِية التِي لا تصِل إِلى الكُفر، كمن يُحِبّ ما يُبغِض اللَّه، ويُنغِض ما يُحِبّهُ اللَّه، ويُحِب لِلمسلِم الأذى بِغيرِ مُوجِب لِذلِك، فهذا يأثم، ويلتحِق بِهِ الكِبر، والعُجْب، والبغي، والمكر، واحسد، وفِي بعض هذا خِلاف، فعن الحسنِ البصرِيّ أن سُوء الظن بِالمسلِم، وحسدهُ معفُوّ عنهُ، وحملُوهُ على ما يقع في النَّفس، مِمّا لا يُقدر على دفعه. لكِن من يقع لهُ ذَلِكَ مأمُور بِمُجاهدتِهِ النفس على ترْكه.

والقِسمِ الثانِي: أن يكُون من أعمال الجوارح، كالزِّنا والسَّرِقة فهُو الذِي وقع فِيهِ النزاع: فذهبت طائِفة إِلى عدم المؤاخذة بِذلِك أصلا، ونُقل عن نصّ الشّافِعِيّ، وُيؤيِّدهُ ما وقع في حدِيث خُريم بن فاتِك (١) فإِنَّه حيثُ ذكر الهمّ بِالحسنةِ، قال: "علِم اللَّه أنَّهُ


(١) حديث خُريم بن فاتك - رضي اللَّه تعالى عنه - هو ما أخرجه أحمد -رحمه اللَّه تعالى- في "مسنده"، فقال:
١٨٥٥٦ - حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن الرُّكَين بن الربيع،
عن أبيه، عن عمه فلان بن عَمِيلة، عن خريم بن فاتك الأسدي، أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الناس=