للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معصية الخالق. (ومنها): وجوب قول الحقّ، منْ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم المداهنة فيه للناس، ولا الالتفات إلى لوم لائمهم، بل يغيّر المنكر بكلّ ما يقدر عليه، منْ فعل، أو قول، ما لم يخشَ إثار فتنة، وتسبب منكر أشدّ منه.

قَالَ النوويّ: وأجمع العلماء عَلَى أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإن خاف منْ ذلك عَلَى نفسه، أو ماله، أو عَلَى غيره، سقط الإنكار بيده، ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه. هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير. وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقًا فِي هذه الحالة، وغيرها. انتهى (١).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قول الجماهير هو الحقّ؛ لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "منْ رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم.

فقد رخّص الشارع فِي هذا النصّ فِي ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فعلاً، أو قولاً عند عدم الاستطاعة، فالقول بالوجوب مطلقًا مخالف لهذا النصّ.

لكن لو أخذ أحد بالعزيمة، فواجه منْ يخافه بذلك، لكان أفضل؛ لما سيأتي للمصنّف ٣٧/ ٤٢١١ - بإسناد صحيح، عن طارق بن شهاب، أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد وضع رجله فِي الْغَرْز: أيُّ الجهاد أفضل؟ قَالَ: "كلمة حق، عند سلطان جائر". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): زاد فِي رواية الشيخين: "إلا أن تروا كُفرًا بواحًا، عندكم منْ الله فيه بُرهان".

فقَوْله: "بَوَاحًا" -بِمُوَحَّدةٍ ومُهْمَلة- قَالَ الخطَّابِيّ: مَعْناه قوله: ظَاهِرًا بَادِياً، مِنْ قَوْلهمْ: بَاحَ بِالشَّيْءِ يبُوح بِهِ بَوْحًا، وَبَوَاحًا: إِذا أذَاعَهُ، وأظْهَرَهُ. وأنْكَرَ ثَابِتْ فِي "الدَّلائِل" بَوَاحًا وَقَالَ: إِنَّمَا يجُوز "بَوْحًا" بِسُكُونِ الْوَاو، و"بُؤَاحًا" بِضَمِّ أَوَّله، ثُمَّ هَمْزَة مَمْدُودَة. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَنْ رَوَاهُ بِالرَّاء , فَهُوَ قَرِيب منْ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَصْل الْبَرَاح: الأرض الفقراء الَّتِي لا أَنِيس فِيهَا، ولا بِنَاء. وقِيلَ: البَرَاح الْبَيَان، يُقَال: بَرَحَ الْخَفَاء: إِذَا ظَهَر. وَقَالَ النَّووِيّ: هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ مِنْ مُسْلِم بِالْواوِ، وفِي بَعْضهَا بِالرَّاءِ.

قَالَ الحافظ: وَوَقَع عِنْدَ الطَّبَرانِيّ، منْ رِواية أحْمَد بْن صَالِح، عَنْ ابن وَهْب، فِي هَذَا الْحَدِيث: "كُفْرًا صُرْاحًا"، بِصَادٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة، ثُمَّ رَاء. وَوَقَع فِي رِوايَة حِبَّان أبِي النَّضْر الْمَذْكُورَة: "إِلا أَنْ يَكُون مَعْصِية لِلَّهِ بَوَاحًا"، وعِنْد أحْمَد، مِنْ طرِيق عُمَيْر بن


(١) "شرح مسلم" ١٢/ ٤٣٣. "كتاب الإمارة".