للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنَّ طاعة المخلُوق، إِنَّما تَجب فِيما كَانَ غَيْر معصِية لله، فهِي جدِيرة بالتَّوقِّي فِي معصِية الله (فَمَنْ وَفَّى) زاد فِي رواية البخاريّ": "منكم": أي منْ ثبت عَلَى العهد. وَوَفَى بِالتَّخْفِيفِ، وفِي رِواية بِالتَّشْدِيدِ، وَهُمَا بِمعْنَى (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أطلق هَذَا عَلَى سبِيل التَّفْخِيم؛ لِأنَّه لَمَّا أن ذكر المُبايعة المُقتضِية لِوُجُودِ العِوضَيْنِ، أثبت ذِكْر الأجْر فِي موضع أحَدهمَا. وَقَدْ أفْصَحَ فِي رِواية الصُّنَابِحِيّ، عن عُبَادَةَ، فِي هَذَا الحديث، فِي "الصَّحِيحَيْنِ" بِتَعْيِينِ العِوَض، فقال: "الْجَنَّة"، وَعَبَّر هُنا بلَفْظِ "عَلَى" لِلْمُبالَغَةِ فِي تحقق وُقُوعه، كالْواجِباتِ، ويتعيَّن حمله عَلَى غَيْر ظَاهِره؛ لِلأدِلةِ الْقَائِمة عَلَى أنّهُ لا يَجِب عَلَى الله شَيْء.

[فإِن قِيل]: لِمَ اقتصر عَلَى المنهِيات، ولم يذكُر المأمُورات؟.

[فالجواب]: أنّهُ لم يُهمِلها، بل ذكرها عَلَى طرِيق الإجمال فِي قوله: "ولا تَعْصُوا"، إِذ الْعِصْيان مُخَالَفَة الأمْر.

والْحِكْمَة فِي التَّنصِيص عَلَى كثِير منْ الْمَنْهِيات، دُون المَأْمُورات، أن الكف أيسر منْ إِنشاء الفِعل؛ لِأنَّ اجْتِناب المَفَاسِد مُقدَّم عَلَى اجْتِلاب الْمَصَالِح، والتَّخَلِّي عن الرَّذائِل قبل التَّحَلِّي بالفَضَائِلِ. قوله: (وَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ شَيْئًا) أي مما سوى الشرك، إذ لا كفّارة للشرك، سوى التوبة عنه، فهو عام مخصوص (فعُوقِبَ به) أي بسبب ما أصابه منْ المخالفة (فهُو) أيْ العِقاب (له كَفَّارة) زاد فِي رواية معمر، عن ابن شهاب الآتية ١٧/ ٤١٨٠ - "فهو طهُوره".

قَالَ النووِي: عُمُوم هَذَا الحدِيث مَخْصُوص بِقولِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨]، فالمُرتد إِذَا قُتِل عَلَى ارتِداده، لا يكُون القتل لهُ كَفَّارة.

قَالَ الحافظ: وهذا بِناء عَلَى أنَّ قوله: "مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا" يتناول جِميع ما ذُكِرَ، وَهُوَ ظَاهِر، وَقَدْ قِيل: يَحتَمِلُ أن يكُون المُراد ما ذُكِر بعد الشرك؛ بِقرِينةِ أنَّ المُخاطب بِذلِك المسلِمُون، فَلا يَدْخُل حتى يحتاج إِلى إِخراجه، وُيؤيدهُ رِواية مُسلِم منْ طرِيق أبِي الأشْعَث، عن عُبادة، فِي هَذَا الْحَديث: "وَمَنْ أتى مِنْكُم حَدًّا"، إِذ القتل عَلَى الشِّرْك، لا يُسَمَّى حَدًّا. لكِنْ يَعكُر عَلَى هَذَا الْقَائِل، أنَّ الفاء فِي قوله: "فَمَنّ" لِترتِيبِ ما بعدها عَلَى ما قبلها، وخِطاب المُسلِمِين بِذلِك، لا يَمْنع التَّحْذِير منْ الإشْرَاك، وما ذُكِر فِي الحدّ عُرْفِيّ حَادِث، فالصَّوَاب ما قَالَ النَّووِيّ.

وَقَالَ الطِّيبِيّ: الحق أنَّ المُراد بِالشِّركِ الشِّرْك الأصْغَر، وهُو الرِّياء، ويدُلّ عَلَيْهِ تنكِير "شيئًا" أي شِركًا أيًّا مَا كَانَ.

وَتُعُقِّبَ بِأنَّ عُرْف الشَّارع، إِذَا أطلق الشِّرْك، إِنَّما يرِيد بِهِ ما يُقابِل التَّوحِيد، وَقَدْ