للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه نظر؛ لذكر الأرجل. وأجاب الكرمانيّ بأن المراد الأيدي، وذكر الأرجل تأكيدًا. ومُحَصّله أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيًا، فليس بمانع.

ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب؛ لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذلك نسب إليه الافتراء، كأن المعنى: لا ترموا أحداً بكذب، تُزوّرونه فِي أنفسكم، ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم. وَقَالَ أبو محمّد بن أبي جمرة: يحتمل أن يكون قوله: "بين أيديكم" أي فِي الحال، وقوله: "وأرجلكم" أي فِي المستقبل؛ لِأنَّ السَّعْي منْ أفعال الأرْجُل، وَقَالَ غيره: أصْل هَذَا كَانَ فِي بيعة النِّساء، وكَنَّى بِذَلِك كما قَالَ الهَروِيّ فِي "الغرِيبين" -عَنْ نِسْبة الْمَرْأة الْوَلَد، الَّذِي تزنِي بهِ، أو تلتقِطهُ إِلى زوجها، ثُمَّ لما استعمل هَذَا اللَّفْظ فِي بيعة الرِّجال، احْتِيجَ إِلى حمله عَلَى غَيْر ما ورد فِيهِ أوَّلا. والله أعلم.

وَقَالَ الشيخ عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى: هَذَا الحديث إشارة إلى ما فِي قوله تعالى: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: ١٢]، وهذا مشكلٌ؛ لأن الذي ذكره المفسّرون فِي الآية لا يجيء هنا؛ لأنهم قالوا: كانت المرأة يكون لها الزوج ذو المال، وليس له ولدٌ، فتخاف عَلَى ماله بعد موته، فتلتقط ولدًا، وتقول: ولدته، فقوله: {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: ١٢] إشارة إلى الولادة، ووصفه بذلك باعتبار زعمهنّ فِي قولهنّ، كَانَ هَذَا معنى الآية، لا يكون ذلك فِي حق الرجال. قَالَ: والجواب أن هَذَا منْ باب نسبة الفعل إذا صدر منْ الواحد إلى الجماعة، كقوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: ١٢]، فإن الرجال لا يلبسون الحلية. انتهى (١).

(وَلَا تَعْصُونِي فِى مَعْرُوفٍ) المعرُوف ما عُرِف منْ الشَّارع حُسْنه نَهْيًا، وأمْرًا.

[فإن قيل]: إن أمره صلّى الله تعالى عليه وسلم كلّه معروف، ولا يُتصوّر منه خلاف ذلك، فما معنى قوله: "فِي معروف"؟.

[قيل]: المراد منه التنبيه عَلَى علّة وجوب الطاعة، وعلى أنه لا طاعة للمخلوق فِي غير المعروف، وعلى أنه ينبغي اشتراط الطاعة فِي المعروف فِي البيعة، لا مطلقًا. أفاده السنديّ رحمه الله تعالى (٢).

وَقَالَ النَّووِيّ: يحْتمِل أن يكُون المعنى: ولا تَعْصُونِي، ولا أَحَد أُولى الأمر عليكُم، فِي المعرُوف، فيكُون التَّقيِيد بِالْمَعرُوفِ، مُتعلِّقًا بِشَيْءٍ بعده. وَقَالَ غيره: نَبَّهَ بِذلِك عَلَى


(١) راجع "زهربى" ٧/ ١٤٢ - ١٤٣.
(٢) "شرح السنديّ" ٧/ ١٤٢.