للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بيعة الأنصار، ليلة العقبة، وهِي قبل الهِجرة إِلى المدِينة، وبيعة أُخرى، وقعت بعد فتح مكّة، وشهِدها عبد الله بن عمرو، وكان إِسلامه بعد الهِجرة بِمُدةٍ طوِيلة. ومِثل ذَلِكَ ما رواهُ الطبرانِي، منْ حدِيث جرِير، قَالَ: "بايعنا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مِثل ما بايع عَلَيْهِ النِّساء"، فذكر الحديث، وكان إسلام جرير، مُتأخِّرًا عن إسلام أبي هريرة عَلَى الصَّواب، واِنما حصل الالتِباس منْ جِهة أن عُبادة بن الصامِت، حضر البيعتينِ معًا، وكانت بيعة العقبة منْ أجَلّ ما يُتمدَّح بِهِ، فَكَان يذكُرها إِذَا حدَّث تنوِيها بِسابِقِيَّتِهِ، فلمّا ذكر هذِهِ البيعة الَّتِي صدرت، عَلَى مِثل بيعة النِّسَاء، عقِب ذَلِكَ توهَّم منْ لم يقِف عَلَى حقِيقة الْحال، أن البيعة الأُولى وقعت عَلَى ذَلِكَ.

ونظِيره ما أخرجهُ أحمد، منْ طرِيق مُحمّد بن إسحاق، عن عُبادة بن الولِيد بن عُبادة ابن الصَّامِت، عن أبِيهِ، عن جده -وكان أحد النُّقَباء- قَالَ: "بايعنا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- بيعة الْحَرْب"، وكان عُبادة منْ الاثني عشر، الذين بايعُوا فِي العقبة الأولى: "عَلَى بيعة النِّسَاء، وعلى السَّمْع والطَّاعة، فِي عُسرنا ويُسرنا" الحدِيث، فإِنه ظاهِر فِي اتحاد البيعتينِ، ولكِنَّ الحديث فِي "الصَّحِيحينِ"، ليس فِيهِ هذِهِ الزِّيادة، وهُو منْ طرِيق مالِك، عن يحيي بن سعِيد الأنصارِيّ، عن عُبادة بن الوليد. والصَّوَاب أنَّ بيعة الحرب بعد بيعة العقبة؛ لِأن الحرب إِنَّما شُرع بعد الهِجرة.

ويُمكِن تأوِيل رِواية ابْن إسْحاق، وردّها إِلى ما تقدَّم، وَقَدْ اشْتَمَلتْ رِوايته عَلَى ثَلاث بيعات: بيعة العقبة، وَقَدْ صرَّح أنَّها كانت قبل أن تُفرض الحرب، فِي رِواية الصُّنابِحِيّ، عن عُبادة، عِند أحمد. والثَّانية: بيعة الحرب وأنَّها كانت عَلَى عدم الفِرار. والثَّالِثة: بيعة النِّساء، أي الِّتِي وقعت عَلَى نظِير بيعة النِّساء. والراجِح أنَّ التَّصرِيح بِذلِك وهْمٌ منْ بعض الرُّواة، والله أعلم.

قَالَ الحافظ: ويعكُر عَلَى ذَلِكَ التَّصرِيح فِي رِواية ابن إسحاق، منْ طرِيق الصَّنابِحِيّ، عن عُبادة، أن بيعة ليلة العقبة، كانت عَلَى مِثل بيعة النِّساء، واتَّفق وُقُوع ذَلِكَ قبل أن تنزِل الآية، وإنَّما أُضِيفت إِلى النِّساء؛ لِضبطِها بِالقُرآنِ.

ونظِيره ما وقع فِي "الصحِيحين" أيْضًا منْ طرِيق الصُّنابِحِيّ، عن عُبادة، قَالَ: "إنّي منْ النُّقباء الذين بايعُوا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وَقَالَ: "بايعناهُ عَلَى أن لا نُشرِك باللهِ شيئاً" الحديث. فظاهِر هَذَا اتحاد البيعتينِ؛ ولكِن المُراد ما قرَّرته أنَّ قوله: "إِنِّي منْ النقباء الذين بايعُوا" -أي ليلة العقبة- عَلَى الإيواء والنَّصْر، وما يتعلَّق بِذلِك. ثُمَّ قَالَ: بايعناهُ إِلَخْ أي: فِي وقت آخر، ويُشِير إِلى هَذَا الإتيانُ بِالواوِ الْعَاطِفة فِي قوله: "وَقَالَ: بايعناهُ".

قَالَ: وَعَليْك بِردِّ ما أتى منْ الرِّوايات، مُوهِمًا بِأنَّ هذِهِ البيعة، كانت ليلة العقبة، إِلى