للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الحافظ: بل يرُدّ عَلَيْهِ وُرُود التصرِيح بِالنياحةِ، كما سأذكُرُهُ، ويرُد عَلَيْهِ أيضًا أنَّ اللِّقاء، والبُكاء المُجرَّد لم يدخُل فِي النَّهْي، فلو وقع الاقتِصار عَلَيْهِ، لم يحتجْ إِلى تأخِير المُبايعة حتَّى تفعلهُ.

[ومِنها]: أنه يحتمِل أن يكُون أعاد "إِلَّا آل فُلان" عَلَى سبيل الإنْكار، كما قَالَ لِمن استأذن عَلَيْهِ، فقال لهُ: "منْ ذا؟ "، فقال: أنا. فقال: "أنا أنا". فأعاد عَلَيْهِ كلامه مُنْكِرًا عَلَيْهِ.

وتُعقّب بأنه يرِدُ عَلَيْهِ ما ورد عَلَى الأوَّل.

[ومِنها]: أنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِأُمِّ عطِية، قَالَ: وَهُوَ فَاسِد، فإِنَّها لا تختص بِتَحْليلِ شَيْء منْ المُحرَّمَات. انتهى (١).

قَالَ الحافظ: ويقدح فِي دعوى تَخْصِيصها أيضًا ثُبُوت ذَلِكَ لِغيرِها، ويُعْرَف مِنْهُ أيْضَا الْخَدْشِ فِي الأجْوِبة المَاضِيَة. فقد أخرج ابن مردويهِ، منْ حدِيث ابن عبَّاس، قَالَ: "لَمَّا أَخَذَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى النِّساء، فبايعهُنَّ أن {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} الآية [الممتحنة: ١٢]، قالت خولة بِنت حكِيم: يا رسُول الله كَانَ أبِي وأخِي، ماتا فِي الجاهِلية، واِن فُلانة أسعدتنِي، وَقَدْ مات أخُوها" الحديث. وأخرج التِّرمِذِيّ منْ طرِيق شهر بن حوشب، عن أُم سلمة الأنْصارِيّة، وهِي أسماء بِنت يزِيد، قالت: "قُلت: يا رسُول الله، إِنَّ بنِي فُلان أسْعدُونِي عَلَى عَمِّي، ولابُدَّ منْ قضائِهِنَّ، فأبَى، قالت: فراجعته مِرارًا، فأذِن لي، ثُمَّ لَمْ أنُحْ بعد". وأخْرَجَ أحمد، والطَّبَريّ منْ طرِيق مُصعب ابن نُوح، قَالَ: "أَدْركت عجُوزًا لنا، كانت فِيمن بايع رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت: فأخذ علينا: "ولا ينُحْنَ فقالت عجُوز: يا نبِيّ الله، إِنَّ ناساً كانُوا أسعدُونا عَلَى مصائب أصابتنا، وإِنَّهمْ قد أصابتهُم مُصِيبة، فَأنَا أُرِيد أن أُسعِدهُم، قَالَ: "فاذهبِي، فكافِئِيهِم"، قالت: فانطلقت فكافأتهم، ثُمَّ إِنَّها أتت فبايَعَتْهُ.

قَالَ الحافظ: وظهر منْ هَذَا كُلّه أنَّ أقرب الأجْوِبة، أنها كانت مُباحة، ثُمَّ كُرِهت كراهة تتزِيه، ثُمَّ تَحريم. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (٢).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي رجحه الحافظ أخيرًا حسن، ولكنّ ما تقدّم عن النوويّ رحمه الله تعالى أحسن منه، وخلاصته أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم رخص لهؤلاء النساء: أم عطيّة، وغيرها، منْ اللاتي طلبن منه استثناء المساعدات مكافأة لما مضى، فخصّهنّ بذلك، فهذا جواب لا غبار عليه. وَقَدْ مرّ آنفًا أنه صلّى الله


(١) راجع "المفهم" ٢/ ٥٩٠ - ٥٩١. "كتاب الجنائز".
(٢) "فتح" ٩/ ٦٣٠ - ٦٣١. "تفسير سورة الممتحنة".