للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف العلماء فِي تأويل هَذَا الحديث:

قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: هَذَا الحديث محمولٌ علي أن الترخيص لأمّ عطيّة فِي آل فلان خاصّة، ولا تحلّ النياحة لها، ولا لغيرها فِي غير آل فلان، كما هو ظاهر الحديث، وللشارع أن يخُصّ منْ العموم منْ شاء بما شاء، فهذا صواب الحكم فِي هَذَا الحديث.

قَالَ الحافظ: كذا قَالَ، وفيه نظرٌ إلا أن ادّعى إن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا، وفيه بُعدٌ، وإلا فليدّع مشاركتهم لها فِي الخصوصية.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: كونهم مشاركين لها فِي الخصوصية ظاهر، لا شكّ فيه، فإنه صلّى الله تعالى عليه وسلم لما أذن لها أن تساعدهم، لا يمكن ذلك إلا بجواز ذلك لهم معها. والله تعالى أعلم.

ثم قَالَ النوويّ: واستشكل القاضي عياض، وغيره هَذَا الحديث، وقالوا فيه أقوالاً عجيبة، وَمَقْصُودِي التَّحْذِير منْ الاغْتِرار بها، فإِن بعض المالِكِيَّة قَالَ: النِّياحة ليْسَتْ بِحرامٍ، لِهذا الحديث، وإنَّمَا المُحرَّم ما كَانَ مَعَهُ شَيْء، منْ أفعال الجاهِليَّة، منْ شق جيب، وَخمْش خَدّ، ونحو ذَلِكَ، قَالَ: والصّواب ما ذكرناهُ أولاً، وأنَّ النياحة حَرَام مُطلقًا، وهُو مذهب العُلَمَاء كَافَّة. انتهى.

قَالَ الحافظ: وَقَدْ نُقل عن غير هَذَا المالِكِيّ أيضًا أنَّ النِّياحَة ليْسَت بِحرامٍ، وهُو شَاذ مردُود. وَقَدْ ابْداهُ القُرْطُبِيّ احْتِمالا، وردهُ بالأحادِيثِ الْوَارِدَة فِي الوعِيد عَلَى النِّياحة، وهُو دَالّ عَلَى شِدَّة التَّحْرِيم، لَكِنْ لا يمتنِع أن يكُون النَّهْي أولاً ورد بِكَرَاهةِ التَّنْزيه، ثُمَّ لمَّا تَمَّتْ مُبايعة النِّسَاء، وقع التَّحرِيم، فيكُون الإذن لِمن ذُكِر وقع فِي الحالة الأولَى؛ لِبيانِ الجواز، ثُمَّ وَقَع التَّحريم، فورد حِينئِذٍ الوعِيد الشَّدِيد.

وَقَدْ لخص القُرطُبِي بقِية الأقاوِيل الَّتِي أشَار إِليها النَّووِيّ:

[مِنْهَا]: دعوى أنَّ ذَلِكَ قبل تحرِيم النياحة، قَالَ: وهُو فَاسِد لِمَسَاقِ حدِيث أم عطِية هَذَا، ولولا أنَّ أُم عطِية فهِمت التَّحْرِيم لما اسْتَثْنَتْ.

قَالَ الحافظ: ويُؤيِّدهُ أيضًا أن أُم عطِيَّة صَرَّحَتْ بأنَّها منْ العِصيان فِي المعرُوف، وهذا وصْف المُحَرَّم.

[وَمِنْهَا]: أنَّ قوله: "إِلا آل فُلان" لَيْسَ فِيهِ نَصّ عَلَى أنها تُسَاعِدهُم بِالنِّيَاحَةِ، فيُمْكِن أنَّها تُساعِدهُم بِاللِّقَاءِ، والبُكاء الَّذِي لا نِياحة معهُ. قَالَ: وَهَذَا أشْبَه مِمَّا قبله.