للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان مشروعيّة بيعة النساء.

(ومنها): أن مبايعة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم لأمته تختلف، فليست مبايعته للنساء كمبايعة الرجال، فإنه كَانَ يبايعهنّ عَلَى ما فِي الآية الكريمة فِي "سورة الممتحنة"، وكان يبايع الرجال أحيانًا بما يشمل البيعة عَلَى الجهاد، وغيرها مما يختصّ به الرجال، وأحيانًا يبايعهم عَلَى مبايعة النساء، كما سبق فِي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه.

(ومنها): ما كَانَ عليه النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، منْ كمال الرحمة، وشدّة الرأفة، فقد قالت أُميمة رضي الله تعالى عنها: "الله، ورسوله أرحم بنا منْ أنفسنا"، ورحمته صلّى الله تعالى عليه وسلم منْ رحمة الله تعالى، حيث جبله عليها، فهو كما وصفه الله عزّ وجلّ، بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]، وقولِهِ عزّ وجلّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧].

(ومنها): أن حكمه صلّى الله تعالى عليه وسلم لامرأة واحدة يعم جميع نساء أمته، وكذا حكم الرجال، ما لم يقترن بما يختص ذلك الشخص، عَلَى ما أسلفناه.

(ومنها): أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم كَانَ لا يصافح بيده النساء، ولو فِي محلّ الحاجة، كما فِي البيعة، وإنما يبايعهنّ بالقول فقط، كما بيّنه فِي هَذَا الحديث، وأخْرَجَهُ البخاريّ وَغَيرُهُ، منْ حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "واللهِ ما مست يدُهُ يد امرأةٍ قط، فِي المُبايعةِ، ما يُبايعُهُنَّ إِلا بِقولِهِ: "قد بايعتُك عَلَى ذَلِكَ".

قَالَ الحافِظُ رحمه الله تعالى: قولُهُ: "قد بايعتُك كلامًا"، أي يقُولُ ذَلِكَ كلامًا فقطْ، لا مُصافحة بِاليدِ، كما جرت العادةُ بمُصافحةِ الرِّجالِ عِند المُبايعةِ، وكأنَّ عائِشة رضي الله تعالى عنها أشارت بِقولِها: "واللهِ ما مَسَّتْ إِلخ"، إِلى الرَّدِّ عَلَى ما جاء عن أم عطِيَّة، فعِند ابنِ خُزيمة، وابنِ حبَّان، والبزَّارِ، والطَّبرِيّ، وابنِ مردويهِ، مِن طرِيقِ إسماعيل بنِ عندِ الرحمن، عن جدتِهِ أُم عطِيّة، فِي قِصَّةِ المُبايعةِ، قالت: "فمدَّ يدهُ منْ خارجِ البيتِ، ومددنا أيدِينا منْ داخِلِ البيتِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمّ اشْهَدْ"، وكذا الحدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ، حيثُ قالت فِيهِ: قبضت مِنَّا امرأةٌ يدها، فإِنَّهُ يُشعِرُ بأنَّهُنَّ كُنَّ يُبايِعنهُ بِأيدِيهِنَّ.

وُيمكِنُ الجوابُ عن الأوَّلِ بِأنَّ مدّ الأيْدِي، منْ وراءِ الحِجاب، إِشارةٌ إِلى وُقُوع المُبايعةِ، وإن لم تقع مُصافحة، وَعَنْ الثَّانِي بِأنّ المُراد بِقبضِ اليدِ التَّأخُّرُ عن القبُولِ، أو كانت المُبايعةُ تَقَعُ بِحائِل، فقد روى أبُو داوُد فِي "المراسِيلِ" عن الشَّعبِيِّ: أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-