قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة.
و"مالك": هو ابن أنس إمام دار الهجرة. و"محمّد بن المنكدر" المدنيّ الثقة [٣] تقدم قريباً. والسند منْ رباعيّات المصنّف، كسابقيه، وهو (١٩٤) منْ رباعيّات الكتاب. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمرو بن حَرَام رضي الله تعالى عنهما. ووقع عند البخاريّ فِي "الأحكام" تصريح محمّد بن المنكدر بالسماع منْ جابر، ولفظه:"سمعت جابرًا"(أَنَّ أَعْرَابِيًّا) قَالَ الحافظ: لم أقف عَلَى اسمه، إلا أن الزمخشريّ ذكر فِي "ربيع الأبرار" أنه قيس بن أبي حازم، وهو مشكلٌ؛ لأنه تابعيّ كبير مشهورٌ، صرّحوا بأنه هاجر، فوجد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم قد مات، فإن كَانَ محفوظًا، فلعلّه آخر، وافق اسمه، واسم أبيه، وفي الذيل لأبي موسى فِي الصحابة: قيس بن أبي حازم المنقريّ، فيحتمل أن يكون هو هَذَا. انتهى (١).
(بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الإِسْلَامِ فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعَكٌ) بفتح الواو، وسكون المهملة، وَقَدْ تُفتح، بعدها كاف: الْحُمّى، وقيل: ألمها، وقيل: إرعادها. وَقَالَ الأصمعيّ: أصله شدّة الحرّ، فأُطلق عَلَى حرّ الحمّى، وشدّتها (بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي) بفتح الهمزة، منْ الإقالة، أي ارفع عنّي البيعة التي بايعتنيها، يقال: أقال الله عَثْرته: إذا رفعه منْ سقوطه، ومنه الإقالة فِي البيع؛ لأنها رفع العقد، وقاله قَيْلاً، منْ باب باع لغةٌ. قاله الفيّوميّ. وهذا منْ الأعرابيّ سوء ظنّ، حيث توهّم أن ما أصابه منْ الوعك إنما هو بسبب ما فَعَل منْ البيعة، فتوهّم أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم لو أقاله لَذَهب ما لحِقه منْ الوعك.
(فَأَبَى) قَالَ ابن التين: إنما امتنع النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم منْ إقالته؛ لأنه لا يُعين عَلَى معصية؛ لأن البيعة فِي أول الأمر كانت عَلَى أن لا يخرُج منْ المدينة إلا بإذنه، فخروجه عصيان، قَالَ: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضًا قبل فتح مكة عَلَى كلّ منْ أسلم، ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاةٌ؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢]، فلمّا فُتحت مكة، قَالَ