(عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ) رضي الله تعالى عنه (أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ) هو ابن يوسف الثقفيّ الأمير المشهور، وكان ذلك لَمّا ولي الحجّاج إمرأة الحجاز بعد قتل ابن الزبير، فسار منْ مكة إلى المدينة، وذلك فِي سنة أربع وسبعين. قاله فِي "الفتح"(فَقَالَ) أي الحجّاج (يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ) كأنه أشار إلى ما جاء منْ الحديث فِي ذلك، كما تقدّم عند عدِّ الكبائر، فإن منْ جملة ما ذُكر فِي ذلك:"منْ رجع بعد هجرته أعرابيًّا"، وسيأتي للمصنّف فِي "كتاب الزينة" ٢٥/ ٥١٠٤ - منْ حديث ابن مسعود، رفعه:"لعن الله آكل الربا، وموكله" الحديث، وفيه:"والمرتد أعرابيًّا بعد الهجرة ". قَالَ ابن الأثير فِي "النهاية": كَانَ منْ رجع بعد هجرته إلى موضعه منْ غير عذر يعدّونه كالمرتدّ. وَقَالَ غيره: كَانَ ذلك منْ جفاء الحجّاج، حيث يُخاطب هَذَا الصحابيّ الجليل بهذا الخطاب القبيح منْ قبل أن يستكشف عن عذره، ويقال: إنه أراد قتله، فبين الجهة التي يُريد أن يجعله مستحقًا للقتل بها. وَقَدْ أخرج الطبراني منْ حديث جابر بن سمُرة رضي الله تعالى عنهما، رفعه:"لعن الله منْ بدا بعد هجرته، إلا فِي الفتنة، فإن البدو خير منْ المقام فِي الفتنة"(وَذَكَرَ كَلِمَةً، مَعْنَاهَا: وَبَدَوْتَ) أي سكنت البادية. ولفظ البخاريّ:"ارتددت عَلَى عقبيك، تعرّبت"(قَالَ) سلمة رضي الله تعالى عنه (لَا) أي لم أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي (وَلَكِنَّ) بتشديد النون، وتخفيفها (رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) بنصب "رسول" عَلَى أنه اسم "لكنّ"، ورفعه عَلَى الابتداء (أَذِنَ) بكسر الذال المعجمة، منْ باب علم (لِي فِي الْبَدْو) بفتح، فسكون: أي الخروج إلى البادية، فلا ينافي الخروجُ إليها الهجرة. وفي رواية حمّاد بن سلمة، عن يزيد بن أبي عُبيد، عن سلمة أنه استأذن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فِي البداوة، فأذن له. أخْرَجَهُ الإسْمَاعِيليّ. وفِي لفظ لهُ:"اسْتأذَنْت النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-".
[تنبيه]: ذكر فِي "الفتح" أنه وقع لِسلمة فِي ذَلِكَ قِصَّة أُخرى، مع غير الحَجَّاج، فقد أخرج أحمد، منْ طرِيق سعِيد بن إِياس بن سلمة، أنَّ أباهُ حدثهُ، قَالَ:"قدِم سَلَمَة المدِينة، فلقِيهُ بُريدةُ بن الحُصَيب، فقال: ارتددت عن هِجْرتكِ، فقال: معاذ الله، إِنِّي فِي إِذْن منْ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، سَمِعْته يَقُول: "ابدُوا، يا أسلم" -أي القبيلة المشهُورة الَّتِي مِنْها سَلَمة، وأبُو بَرْزة، وبُريدة المذكُور- قالُوا: إِنَّا نخاف أن يقدح ذَلِكَ فِي هِجْرتنَا، قَالَ: أنتُم مُهاجِرُون حيثُ كُنْتم". ولهُ شاهِد مِنْ رِواية عمرو بن عبد الرَّحمن بن جَرهَد، قَالَ: "سَمِعت رجُلًا، يقُول لِجابِرٍ: منْ بقِي منْ أصْحَاب رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-؟، قَالَ: أنَس ابن مالِك، وَسَلَمة بن الأكْوَع، فقال رجُل: أمَّا سلمة، فقد ارتدَّ عن هِجرته، فَقال: لا