للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فصار مشاركًا لأبيه فِي السماع عن عطاء بن يزيد، فحصل لسفيان أن أسقط عنه ثلاثة: عمرًا، والقعقاع، وأبا صالح، فصار عاليًا بدرجتين، حيث وصل إلى عطاء بواسطة واحدة، بدلاً منْ ثلاث وسائط (حَدَّثَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ) الليثي (عَنْ تَمِيمٍ) ابن أوس رضي الله تعالى عنه (الدَّارِيِّ) نسبة إلى أحد أجداده، وهو دار بن هانىء، كما تقدّم فِي نسبه (١) (قَالَ) تميم رضي الله تعالى عنه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ") تقدّم معنى النصيحة، واشتقاقها، وما قَالَ العلماء فيها فِي ٦/ ٤١٥٨ - فراجعه تستفد.

والْمَعْنَى أن عِمَادَ الدِّين، وقِوَامَهُ النَّصِيحةُ، كقولِهِ: "الْحَجُّ عَرَفَة": أيْ عِماده، ومُعْظَمه عَرَفَة. انتهى (٢).

(قالُوا) أي الصحابة الحاضرون عند النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم حينما تكلّم بهذا الحديث (لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) أي النصيحة التي ذكرت أنها الدين كلّه لأي شخص تكون؟ (قَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لِلَّهِ) معنى النصِيحة لِلَّهِ تعالى، مُنْصَرِفٌ إِلى الإيمان بِهِ، ونفيِ الشرِيكِ عنهُ، وتركِ الإلحاد فِي صفاته، ووصفِهِ بِصِفاتِ الكمال والجلال كُلّهَا، وتنزِيهه سُبحانه وتعالى منْ جمِيع النَّقائِص، والقِيام بِطاعتِهِ، واجتِناب معصِيته، والحُبّ فِيهِ، والبُغْض فِيهِ، ومُوالاة منْ أطَاعَهُ، ومُعَادَاة منْ عصاهُ، وجِهَاد مَنْ كفر بِهِ، والِاعتِراف بِنِعمتِهِ، وشُكْره عَلَيْهَا، والإخْلاص فِي جَمِيع الأُمُور، والدُّعَاءُ إِلى جميع الأوصاف المَذْكُورة، والحَثّ عليها، والتَّلطُف فِي جمع النَّاس، أو منْ أمكن مِنهُم عليها. قَالَ الخَطَّابِيّ رحمه الله: وَحَقِيقةُ هذِهِ الإضَافَة، رَاجِعَة إِلى العبد فِي نُصْحه نفسه، فالله تعالى غنِيٌّ، عن نُصْحِ النَّاصِح. انتهى.

(وَلِكِتَابِهِ) معنى النصِيحة لِكِتابِهِ سُبحانه وتعالى، فهو الإيمان بِأنَّهُ كلام الله تعالى، وتنزِيله، غير مخلوق، ولا يُشْبِههُ شَيْءٌ منْ كلام الخلق، ولا يقدِر عَلَى مِثله أحد منْ الخلق، ثُمَّ تَعْظِيمه، وتِلاوته حَقّ تِلاوته، وتَحْسِينُها، والخُشُوع عِندها، وإِقامة حُرُوفه فِي التِّلاوة، والذَّب عنهُ لِتأْوِيلِ المُحَرِّفِين، وتعرُّض الطَّاعِنِين، والتَّصْدِيق بِما فِيهِ، والوُقُوف مع أحكامه، وتَفَهُّم عُلُومه وأمْثَاله، والِاعتِبار بِمواعِظِهِ، والتَّفكُر فِي عَجَائِبه، والعَمَل بِمُحْكَمِهِ، والتَّسْليم لِمُتَشَابهِهِ، والبَحْث عن عُمُومه وخُصُوصه، ونَاسِخه وَمَنْسُوخه، وَنَشْر عُلُومه، والدُّعَاء إِليهِ، وإلى ما ذَكَرْنا منْ نَصِيحَته.


(١) أفاده فِي "اللباب" ١/ ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٢) راجع "شرح مسلم للنوويّ" ٢/ ٣٧. "كتاب الإيمان".