للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلِرَسُولِهِ) معنى النصِيحة لِرسُولِه -صلى الله عليه وسلم-، فهو تصدِيقه عَلَى الرِّسالة، والإيمانُ بِجمِيعِ ما جاء بِهِ، وطاعتُه فِي أمرِهِ ونَهْيه، ونُصرتُهِ حيًّا وميتًّا، ومُعاداةُ منْ عاداهُ، ومُوالاةُ منْ والاهُ، وإِعظامُ حَقّه، وتَوْقِيرُه، وبثُّ دعوته، ونشرُ شَرِيعته، ونفيُ التُّهمة عنها، وتَعظيم سنته، وإِحياءُها بعد موته بروايتها، وتصحيحها، والبحث عنها، واسْتِثَارةِ عُلُومهَا، والتَّفَقُّهِ فِي مَعَانِيهَا، والدُّعاء إِلَيْهَا، والتَّلَطُّف فِي تَعلُّمها وتعليمها، وإِعْظَامِهَا، وإِجْلالها، والتَّأدُّبُ عِتد قِراءتها، والإمْسَاكُ عن الْكَلام فِيها بِغَيْرِ عِلْمِ، وِإجلالُ أهلها لِانْتِسَابهِم إِلَيْهَا، والتَّخَلُّقُ بِأخْلاقِهِ، والتَّأدُّبُ بِآدابِهِ، ومَحَبَّةُ أهْل بَيته وأصْحَابه، ومُجَانَيَةُ منْ ابْتَدَع فِي سُنَّته، أو تَعَرَّض لِأحَدٍ منْ أصْحَابه، وَنَحْو ذَلِكَ.

(وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) معنى النَّصِيحة لِأئمَّةِ المسلِمِين، فهو مُعاونَتُهمْ عَلَى الحَقّ، وطاعتُهُم فِيهِ، وأمرُهُم بِهِ، وَتَنْبِيههم وتذكِيرهم بِرِفقٍ ولُطفٍ، وإعلامُهم بِما غَفَلُوا عنهُ، ولم يبلُغهُم منْ حُقُوق الْمُسلِمِين، وترك الخُرُوج عليْهِمْ، وتأليفُ قُلُوب النَّاس لِطَاعَتِهِم. قَالَ الخَطَّابِيُّ رحِمهُ الله: وَمِنْ النَّصِيحة لهُم الصَّلاة خلفهم، والجِهَاد مَعَهُم، وأداء الصَّدَقَات إِليْهِم، وتَرْك الخُرُوج بِالسَّيْفِ عَلَيْهِم، إِذَا ظَهَر مِنْهُم حَيْفٌ، أوْ سُوءُ عِشْرَة، وأن لا يُغرُّوا بِالثَّنَاءِ الكاذِب عليْهِمِ، وأَنْ يُدْعَى لهُم بِالصَّلاح.

قَالَ النوويّ: وهذا كُلَّهُ عَلَى أن المراد بِأئِمَّةِ المُسْلِمِين الخُلَفَاءُ، وغيرهم، مِمَّن يقُوم بِأُمُورِ المُسْلِمِين، مِن أصحاب الوِلاياتِ. وَهَذا هُو المَشْهُور. وَحَكَاهُ أيْضًا الخطَّابِيُّ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُتأوَّل ذَلِكَ عَلَى الأئِمَّة الَّذين هُمْ عُلَمَاء الدِّين، وأنَّ منْ نصِيحتهم قبُول ما رووه، وتقليدهم فِي الأحْكَام، وإِحْسَان الظَّنَّ بهِم. انتهى.

(وَعَامَّتِهِمْ") معنى نصِيحة عافة المسلِمِين -وهُم منْ عَدَا وُلاة الأمْر- فهو إِرشادُهُم لِمصالِحِهِم، فِي آخِرتهم ودُنْيَاهُم، وكفُّ الأَذَى عنْهُم، فيُعلِّمهُم ما يَجْهلُونة منْ دِينهم، ويُعِينهُمْ عَلَيْهِ بِالقولِ والفِعل، وسِتر عَوْراتهمْ، وَسَدّ خَلَّاتهم، ودفع المَضَارّ عنهُم، وجلب المنافِع لهُم، وأمرُهم بِالمعرُوفِ، ونهيهم عن المُنكر، بِرِفقٍ وإِخلاصٍ، والشَّفقةُ عليهِم، وتوْقِيرُ كبِيرهم، وَرَحْمَة صغِيرهم، وتَخَوُّلهم بِالموعِظةِ الحسنة، وترك غِشِّهِم وَحَسَدِهِم، وان يُحبَّ لهُم ما يُحبُّ لِنفسِهِ منْ الخَيْر، وَيَكْره لهُمْ ما يَكْره لِنَفْسِهِ مِن الْمَكرُوه، والذَّبّ عن أموالهم وأعْراضهمْ، وغيرِ ذَلِكَ منْ أحْوالهمْ، بِالقَوْلِ والفِعْل، وَحثّهم عَلَى التَّخلُّق بِجمِيع ما ذَكَرْناهُ منْ أنْواع النَّصِيحَة، وَتَنْشِيطُ هَمِّهِم إِلى الطَّاعات. وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَف -رضي الله عنهم- منْ تَبْلُغ بِه النَّصيحة إِلى الإضْرار بِدُنْيَاهُ. قاله النوويّ (١).


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٣٩ "كتاب الإيمان".