يعني أنه شارب يَوْمَ الْقِيَامَةِ منْ الحوض الذي منْ شرب منه شَرْبة لا يظمأ بعدها أبدًا (وَمَنْ لَمْ يُصّدِّقْهُمْ بكَذِبِهمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ) أي اتقاءً، وتورّعًا، وهذا لا يكون إلا للمتديّن، فلذلك قَالَ صلّى الله تعالى عليه وسلم:"فهو منّي، وأنا منه". ويحتمل أن يكون مجرّد الصبر عن صحبتهم فِي ذلك الزمان، مع الإيمان مفضيًا إلى هذه الرتبة العليّة، أو منْ صبر يوفّق لأعمالٍ تُفضيه إلى ذلك. والله تعالى أعلم. قاله السنديّ (فهُو مِنِّي) أي منْ أهل سنّتي ومحبتي (وَأَنَا مِنْهُ) أي منْ محبته، والشفاعة له (وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ) أي شارب منه.
وأخرج أحمد بإسناد صحيح منْ طريق عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ لكعب بن عجرة:"أعاذك الله منْ إمارة السفهاء"، قَالَ: وما إمارة السفهاء؟ قَالَ:"أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يَستنّون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم عَلَى ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يَرِدوا على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم عَلَى ظلمهم، فأولئك مني، وأنا منهم، وسَيَرِدوا علي حوضي، يا كعب بن عجرة، الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، والصلاة قربان، أو قَالَ برهان، يا كعب بن عجرة، إنه لا يدخل الجنة لحم نبت منْ سُحْت، النار أولى به، يا كعب بن عجرة، الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها".
وأخرج أحمد أيضًا بإسناد رجاله ثقات، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"إنها ستكون أمراء يكذبون، ويظلمون، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم عَلَى ظلمهم، فليس منا، ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم عَلَى ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث كعب بن عُجْرة رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٥/ ٤٢٠٩ و٣٦/ ٤٢١٠ - وفي "الكبرى" ٣٩/ ٧٨٣٠ و٤٠/ ٧٨٣١. وأخرجه (ت) فِي "الفتن" ٢٢٥٩. والله تعالى أعلم.