للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رضي الله تعالى عنه أحفظ منْ روى الحديث فِي دهره. والله تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله تعالى عنه (عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-) قَالَ فِي "الفتح": هَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبِي ذِئْب، مَرْفُوعًا، وَأَدْخَلَ عَنَد الْحَمِيد بْن جَعْفَر، بَيْنَ سَعِيد وأبِي هُرَيْرَة رَجُلًا، وَلَمْ يَرْفَعهُ، وَابْن أبِي ذِئْب أَتْقَن منْ عَبْد الْحَمِيد، وَأَعْرَف بِحَدِيثِ الْمَقْبُرِيِّ مِنْهُ، فَرِوَايتَه هِيَ الْمُعْتَمَدَة، وَعَقَّبَهُ الْبُخَارِيّ بِطرِيقِ عَبْد الْحَمِيد، إِشَارَة مِنْهُ إِلى إِمْكَان تَصْحِيح الْقَوْلَيْنِ، فَلَعَلَّهُ كَاَنَ عِنْد سَعِيد، عَنْ عُمَر بْن الْحَكَم، عَنْ أبِي هُرَيْرَة مَوْقُوفًا، عَلَى ما رواهُ عَنْهُ عَبْد الْحَمِيد، وَكَانَ عِنْده عن أبِي هُرَيْرَة، بِغَيْرِ وَاسِطَة، مَرْفُوعًا، إِذ وُجِدَتْ عِنْدَ كُلّ مِنْ الرَّاوِيَيْنِ، عن سَعِيد زِيَادَة، ورِواية الْوَقْف، لَا تُعارِض رِوَايَة الرَّفْع؛ لِأَنَّ الرَّاوِي قَدْ يَنْشَط، فيُسْنِد، وَقَدْ لَا يَنَشَط، فَيَقِف. انتهى (١).

(قَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ) بكسر الراء، ويجوز فتحها، قَالَ فِي "الفتح": ووقع فِي رواية شبابة، عن ابن أبي ذئب: "ستعرضون" بالعين المهملة، وأشار إلى أنها خطأ. انتهى (عَلَى الْإمَارَةِ) دَخَل فِيهِ الإمَارَة الْعُظْمَى، وَهِيَ الْخِلَافَة، وَالصُّغْرَى، وَهِيَ الْوِلَايَة عَلَى بَعْض الْبِلَاد، وَهَذَا إِخْبَار مِنْهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالشَّيْءِ، قَبْلَ وُقُوعه، فَوَقَع كَمَا أَخْبَرَ.

(وَإِنَّهَا سَتَكُونُ نَدَامَةً) زاد فِي رواية البخاريّ: "يَوْمَ الْقِيامَة": أَيْ لِمَنْ لَمْ يَعْمَل فِيهَا بِمَا يَنْبَغِي (وَحَسْرَةً) وَيُوَضِّح معنى ما ذُكر مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار، وَالطَّبَرَانِيُّ، بِسَنَدٍ صَحِيح، عَنَ عَوْف بْن مالِك، بِلَفْظِ: "أَوَّلهَا مَلَامَة، وَثَانِيهَا نَدَامَة، وَثَالِثهَا عَذَاب يَوْمَ الْقِيَامَة، إِلَّا مَنْ عَدَلَ". وَللطَّبَرَانِيِّ فِي "الأوْسَط"، مِنْ رِوَايَة شَرِيك، عَنْ عَبْد الله بن عِيسَى، عَنْ أبِي صَالِح، عَنْ أبِي هُرَيْرَة، قَالَ شَرِيك: لَا أَدْرِي، رَفَعَهُ، أَمْ لَا؟، قَالَ: "الْإمَارَة أَوَّلهَا نَدَامَة، وَأَوْسَطهَا غَرَامَة، وَآخِرهَا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة"، ولهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث شَدَّاد بْن أوْس رَفَعَهُ، بِلفْظِ: "أَوَّلهَا مَلَامَة، وَثَانِيهَا نَدَامَة". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث زَيْد بن ثَابِت رَفَعَهُ: "نِعْمَ الشَّيْء الإمَارَة، لِمَنْ أخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَحِلِّهَا، وَبِئْسَ الشَّيْء الْإمَارَة، لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، تَكُون عَلَيْهِ حَسْرَة، يَوْم الْقِيَامَة". وَهَذَا يُقَيِّد مَا أُطْلِقَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَيُقَيِّدهُ أيْضًا مَا أَخْرَجَ مُسْلِم، عَنْ أبِي ذَرّ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: "قُلْت: يَا رَسُول الله، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: إِنَّك ضَعِيف، وَإِنَّها أَمَانَة، وَإِنَّهَا يَوْم الْقِيَامَة خِزْي وَنَدَامَة، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا".


(١) "فتح" ١٥/ ٢٠ - ٢١. "كتاب الأحكام" رقم ٧١٤٩.