للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الحديث أَصْل عَظِيم فِي اجْتِنَاب الْوِلَايَات، وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وَأما الخزي، والندامة فهُوَ فِي حَقّ مَنْ لم يكن أهلاً لها، أو كَانَ أهلًا، ولم يعدل فيها، فيُخزيه الله تعالى يوم القيامة، ويَفضحه، ويَندم عَلَى ما فرّط. وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا للولاية، وَعَدَلَ فِيهَا، فَله فضلٌ عَظِيم، تَظَاهَرَتْ بِهِ الأحاديث "الصحيحة" كحديث: "سبعة يُظلّهم الله" الحديث متّفقٌ عليه، وحديث: "إن المقسطين عَلَى منابر منْ نور" رواه مسلم، وغير ذلك، وإجماع المسلمين منعقد عليه، ومع هَذَا فلكثرة الخطر فيها حذّر صلّى الله تعالى عليه وسلم منها، وكذا حذّر العلماء، وامتنع منها خلائق منْ السلف، وصبروا عَلَى الأذى حين امتنعوا. انتهى (١).

(فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ") قَالَ فِي "النهاية": ضرب المرضعة مثلًا للإمارة، وما توصله إلى صاحبها منْ المنافع، وضرب الفاطمة مثلًا للموت الذي يَهدِمُ عليه لذّاته، ويقطع منافعها دونه. انتهى (٢).

وقَالَ الدَّاوُدِيّ رحمه الله تعالى: نِعْم الْمُرْضِعَة: أَيْ فِي الدُّنْيَا، وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَة: أَيْ بَعْدَ الْمَوْت؛ لِأَنَّهُ يَصِير إِلَى الْمُحَاسَبَة عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ كَاَلَّذِي يُفْطَم قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْنِي، فَيَكُون فِي ذَلِكَ هَلَاكه. وَقَالَ غَيْره: نِعْمَ الْمُرْضِعَة؛ لِمَا فِيها مَنْ حُصُول الْجَاه وَالْمَال، وَنَفَاذ الْكَلِمَة، وَتَحصِيل اللَّذَّات الْحِسِّيَّة والْوَهْمِيَّة، حَال حُصُولهَا، وَبِئْسَتْ الْفَاطِمْة عِنْدَ الانْفِصَال عَنْهَا، بِمَوْتٍ أَوْ غَيْره، وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مَنْ التَّبِعَات فِي الآخِرَة.

[تَنْبِيهٌ]: وقع فِي رواية البخاريّ: "نعم المرضعة، وبئست الفاطمة" بدون تاء التأنيث، فِي "نعم"، وإثباتها فِي "بئس". فقال فِي "الفتح": أُلْحِقَتْ التَّاء فِي "بِئْسَ"، دُون نِعْمَ، والْحَكْم فِيهِمَا، إِذَا كَانَ فَاعِلهمَا مُؤَنَّثًا، جَوَاز الْإلْحَاق وَتَرْكه، فَوَقَعَ التَّفَنُّن فِي هَذَا الْحَدِيث بِحَسَبِ ذَلِكَ.

وَقَالَ الطَّيبِيُّ: إِنَّمَا لَمْ يُلْحِقهَا بِـ"نِعْمَ"؛ لِأنَّ الْمُرْضِعَة مُسْتَعَارة لِلْإِمَارَةِ، وَتَأْنِيثَها غير حَقِيقِيّ، فَتَرَكَ إلْحَاق التَّاء بِها، وَإِلْحَاقهَا "بِئْسَ" نَظَرًا إِلَى كَوْن الْإمَارَة حِينَئِذٍ دَاهِيةَ دَهْيَاء. قَاَل: وَإنَّمَا أُتِيَ بالتَّاءِ فِي "الْفَاطِمَة"، و"الْمُرْضِعَة" إِشَارَة إِلَى تَصْوِير تَيْنِك الْحَالَتَيْنِ الْمُتَجَدِّدَتَيْنِ فِي الْإرْضَاع وَالْفِطَام. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ذكروه منْ عدم لحاق التاء بـ"نعم"، ولحاقها بـ"بئس" عَلَى رواية البخاريّ، وهو الذي فِي "الكبرى" للمصنّف، وأما عَلَى ما فِي نسخ "المجتبى"، فقد لحقت بكليهما، ولعل هَذَا الاختلاف منْ تصرّف الرواة.


(١) "شرح مسلم" ١٢/ ٤١٤ - ٤١٥. "كتاب الإمارة".
(٢) "النهاية" ٢/ ٢٣٠.