للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استحباب العمل بها، وتأكيد سنيّتها، ولا وجه لمن قَالَ: إن ذبح الأضحى نسخها. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى (١).

وَقَالَ الإِمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: العقيقة سنّة فِي قول عامّة أهل العلم، منهم: ابن عبّاس، وابن عمر، وعائشة، وفقهاء التابعين، وأئمّة الأمصار، إلا أصحاب الرأي، قالوا: ليست سنّةً، وهي منْ أمر الجاهليّة. قَالَ: وَقَالَ الحسن، وداود: هي واجبةٌ. وروي عن بُريدة: أن الناس يُعرضون عليها، كما يُعرضون عَلَى الصلوات الخمس. قَالَ: وَقَالَ أبو الزناد: العقيقة منْ أمر الناس، كانوا يَكرهون تركه. وَقَالَ أحمد: العقيقة سنّةٌ عن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم قد عقّ عن الحسن، والحسين، وفعله أصحابه، وَقَالَ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم: "الغلام مرتَهنٌ بعقيقته". وهو إسناد جيّدٌ، يرويه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم. وجعلها أبو حنيفة منْ أمر الجاهليّة، وذلك لقلّة علمه، ومعرفته بالأخبار.

وأما بيان كونها غير واجبة، فدليله ما احتجّ به أصحاب الرأي منْ الخبر، وما رروه محمولٌ عَلَى تأكيد الاستحباب، جمعًا بين الأخبار، ولأنها ذبيحة لسرور حادث، فلم تكن واجبة، كالوليمة، والنقيعة.

قَالَ: والعقيقة أفضل منْ الصدقة بقيمتها، نصّ عليه أحمد، وَقَالَ: إذا لم يكن عنده ما يعُقّ، فاستقرض، رجوتُ أن يُخلف الله عليه؛ إحياء سنّته. قَالَ ابن المنذر: صدق أحمد، إحياء السنن، واتّباعها أفضل. وَقَدْ ورد فيها منْ التأكيد فِي الأخبار التي رويناها ما لم يرد فِي غيرها، ولأنها ذبيحةٌ أمر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم بها، فكانت أولى، كالوليمة، والأضحيّة. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله تعالى (٢).

وَقَالَ فِي "الفتح": قَالَ الشَّافِعِيّ: أفرط فِيها رجُلانِ، قَالَ أحَدهمَا: هِيَ بِدعَة، والآخِر قَالَ: وَاجِبة. وأشَارَ بِقائِلِ الوُجُوب إِلى اللَّيْث بْن سَعْد، ولم يَعْرِف إِمام الحرمين الوُجُوب إِلَّا عن داوُد، فقال: لَعَلَّ الشَّافِعِي أراد غير داوُد، إِنَّمَا كَانَ بعده. وتُعُقب بِأنَّهُ ليْسَ لِلَعَلَّ هُنَا مَعْنَى، بل هُو أمر مُحقَّق، فإِنَّ الشَّافِعِي مَاتَ، ولِداوُد أرْبَع سِنين. وَقَدْ جَاءَ الوُجُوب أيضًا عن أبِي الزِّناد، وهِي رِواية عن أحمد.

والَّذِي نُقِل عَنْهُ أنَّها بدْعة أبُو حنِيفة، قَالَ ابْن المُنْذِر: أنكر أصحاب الرَّأي، أَنْ تَكُون سُنَّة، وَخَالفُوا فِي ذلِكَ الآثَار الثَّابِتة.

واسْتَدَلَّ بعْضهم بِمَا رَوَاهُ مالِك فِي "المُوطَّإ"، عن زيد بن أسْلَمَ، عن رجُل مِنْ بَنِي


(١) "التمهيد" ٤/ ٣١١ - ٣١٣.
(٢) "المغني" ١٣/ ٣٩٣ - ٣٩٥.