(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم العقيقة:
قَالَ الإِمام الحافظ أبو عمر رحمه الله تعالى: ذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضًا، منهم: داود بن عليّ، وغيره، واحتجّوا لوجوبها بأن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم أمر بها، وفعلها، وكان بُريدة الأسلميّ يوجبها، وشبّهها بالصلاة، فقال: الناس يُعرضون يوم القيامة عَلَى العقيقة، كما يُعرضون عَلَى الصلوات الخمس. وكان الحسن البصريّ يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه، فإن لم يُعقّ عنه، عَقّ عن نفسه. وَقَالَ الليث بن سعد: يُعقّ عن المولود فِي أيام سابعه فِي أيّها شاء، فإن لم تتهيّأ لهم العقيقة فِي سابعه، فلا بأس أن يُعقّ عنه بعد ذلك، وليس بواجب أن يُعقّ عنه بعد سبعة أيام، وكان الليث يذهب إلى أنها واجبة فِي السبعة الأيام.
وكان مالكٌ يقول: هي سنّةٌ واجبة يجب العمل بها، وهو قول الشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي ثور، والطبريّ.
قَالَ مالكٌ: لا يُعقّ عن الكبير، ولا يُعقّ عن المولود إلا يوم سابعه ضحوةً، فإن جاوز يوم السابع لم يُعقّ عنه. وَقَدْ رُوي عنه أنه يُعقّ عنه فِي السابع الثاني. قَالَ: وُيعقّ عن اليتيم، ويعُقّ العبد المأذون له فِي التجارة عن ولده، إلا أن يمنعه سيّده. قَالَ مالك: ولا يُعدّ اليوم الذي وُلد فيه، إلا أن يولد قبل الفجر منْ ليلة ذلك اليوم. ورُوي عن عطاء: إن أخطاهم أمر العقيقة يوم السابع، أحببت أن يؤخّره إلى يوم السابع الآخر. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنهما قالت: إن لم يُعقّ عنه يوم السابع، ففي أربع عشرة، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين، وبه قَالَ إسحاق بن راهويه، وهو مذهب ابن وهب، قَالَ ابن وهب: قَالَ مالك بن أنس: إن لم يُعقّ عنه فِي يوم السابع عُقّ عنه فِي السابع الثاني. وَقَالَ ابن وهب: ولا بأس أن يعقّ عنه فِي السابع الثالث. وَقَالَ مالك: إن مات قبل السابع لم يُعقّ عنه. ورُوي عن الحسن مثلُ ذلك. وَقَالَ الليث بن سعد فِي المرأة تلد ولدين فِي بطن واحد: إنه يُعقّ عن كلّ واحد منهما.
قَالَ أبو عمر: ما أعلم عن أحد منْ فقهاء الأمصار خلافا فِي ذلك، والله أعلم.
وَقَالَ الشافعيّ: لا يَعُقّ المأذون له المملوك عن ولده، ولا يُعقّ عن اليتيم، كما لا يُضحّى عنه. وَقَالَ الثوريّ: لست العقيقة بواجبة، وإن صُنعت فحسن. وَقَالَ محمد بن الحسن: هي تطوّعٌ، كَانَ المسلمون يفعلونها، فنسخها ذبح الأضحى، فمن شاء فعل، ومن شاء لم يفعل. وَقَالَ أبو الزناد: العقيقة منْ أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركه.
قَالَ أبو عمر: الآثار كثيرة مرفوعة عن الصحابة، والتابعين، وعلماء المسلمين فِي