قَالَ الحافظ أبو عمر رحمه الله تعالى: اختلفوا فِي عدد ما يُذبح عن المولود منْ الشياه فِي العقيقة عنه، فقال مالك: يذبح عن الغلام شاة واحدة، وعن الجارية شاة، الغلام والجارية فِي ذلك سواء، وبه قَالَ أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر. والحجّة لمالك، ومن قَالَ بقوله فِي ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا.
وَقَالَ الشافعيّ، وأحمد، إسحاق، وأبو ثور: يُعقّ عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، وهو قول ابن عباس، وعائشة، وعليه جماعة أهل الحديث، وحجّتهم فِي ذلك حديث أم كُرز رضي الله تعالى عنها -يعني الآتي بعد هَذَا-، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما -يعني المذكور فِي الباب الماضي-. قَالَ: وانفرد الحسن وقتادة بقولهما: إنه لا يُعقّ عن الجارية بشيء، وإنما يُعقّ عن الغلام فقط بشاة، وأظنّهما ذهبا إلى ظاهر حديث سلمان:"مع الغلام عقيقته"، وإلى ظاهر حديث سمرة:"الغلام مرتَهنٌ بعقيقته". وكذلك انفرد الحسن، وقتادة أيضًا بأن الصبيّ يُمسّ رأسه بقطنة، قد غُمِست فِي دم العقيقة. انتهى كلام ابن عبد البرّ باختصار، وتصرّف (١).
وَقَالَ فِي "الفتح": وهذِهِ الأحادِيث حُجَّة لِلجُمهُورِ، فِي التَّفْرِقَة بين الغُلامِ والْجَارِية، وعن مالِك هُمَا سَوَاء، فيعُقّ عَنْ كُلّ واحِد مِنْهُما شَاة، واحتُجَّ لهُ بِما جَاءَ:"أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَقَّ عنْ الحَسَنُ والحُسَيْن كبشًا كبشًا"، أخْرجهُ أبُو داوُد. ولا حُجَّة فِيهِ، فَقَدْ أخرجهُ أبُو الشَّيْخ مِن وَجْه آخر، عن عِكْرِمة، عن ابن عَبَّاس بِلفظِ:"كَبْشَيْنِ، كَبْشَينِ". وأخرج أيْضًا منْ طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدّه مِثله. وعلى تَقْدِير ثُبُوت رِواية أبِي دَاوُد، فَلَيْسَ فِي الحدِيث مَا يُرَدّ بِهِ الأحَادِيث المُتَوَارِدة فِي التَّنْصِيص عَلَى التَّثنِية لِلْغُلامِ، بَلْ غَايته أن يَدُلّ عَلَى جَوَاز الِاقْتِصَار، وهُوَ كَذَلِك، فإِنَّ العَدَد لَيْسَ شَرطًا، بل مُستَحَبّ. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي هو ما ذهب إليه الجمهور، منْ التفرقة بين الغلام والجارية، فيُعقّ عنه بشاتين، وعنها بشاة واحدة؛ لصحّة الأحاديث بذلك، وما احتجّ به القائلون بعدم التفرقة منْ النصوص المطلقة، يُحْمَلُ عَلَى هذه النصوص المقيّدة؛ عملاً بكلتيهما. والله تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه]: ذكر الحليمِيّ: أنَّ الحِكمة فِي كون الأنْثَى عَلَى النِّصْف منْ الذَّكَر، أنَّ المقصُود اسْتِبقَاء النَّفْس، فأشْبَهَتْ الدِّيَة، وَقَوَّاهُ ابن الْقيِّمِ بِالْحَدِيثِ الْوَارِد، فِي أنَّ منْ