وعلو الإسناد له عند المحدثين شأن كبير، وذلك أنه يفيد قوة السند، لأنه يبعد احتمال الخلل عن الحديث؛ لأن كل رجل من رجاله قد يحتمل أن يقع من جهته خلل، فهذا قَلت الوسائط تقل جهات الاحتمالات للخلل، فيكون علو السند قوة للحديث.
قال الحافظ أبو الفضل المقدسي: أجمع أهل النقل على طلبهم العلو، ومدحه، إذ لو اقتصروا على سماعه بنزول لم يرحل أحد منهم.
وقد رحل المحدثون فيه، وأتعبوا مطاياهم من أجله، ما يسمع أحدهم بحديث عن محدث في عصره حتى يرحل إليه ليسمعه منه مباشرة. قال أحمد بن حنبل: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف، وقيل ليحيى بن معين في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي؟ قال: بيت خال، وسند عال.
وينقسم العلو بحسب جهته إلى خمسة أقسام: ترجع إلى قسمين: علو مسافة بقلة الوسائط، وعلو صفة، أما العلو بالمسافة: فهو ثلاثة أقسام:
القسم الأول: القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث العدد، بإسناد صحيح نظيف، وهذا علو مطلق، وهو أفضل أنواع العلو، وأجلها، قال محمَّد بن أسلم الطوسي الزاهد: قرب الإسناد قرب أو قربة إلى الله عز وجل، ووجه كلامه هذا فيما نرى: أن قرب الإسناد يفيد قوة السند كما عرفت، واستخراج المحدث لذلك يقربه إلى الله عز وجل.
القسم الثاني: القرب من إمام من أئمة الحديث، وهو علو نسبي كالعلو إلى مالك، والأوزاعي، وسفيان.